إنّ الأصل في أفعال المسلم أن تُبنى على اليقين، إلّا أنّ القطع واليقين في أحوالٍ قد يتعذّر ولا يمكن الوصول إليه، فيُؤخذ ويُعمل بغلبة الظنّ، وتحلّ محلّ اليقين في الأخذ بالأحكام العملية، وقد يرد الشك والظنّ في عدد الركعات عند بعضِ المُصلّين؛ فيؤخذ بغلبة الظنّ، إلّا أنّ الظنّ يبقى حجَّةً للمُصلي،[١] كما أن القاعدة الفقهية تتضمّن أحكامًا تشريعيَّةً عامَّةً، لكونها أصلًا فقهيًّا، تدخل فيها مسائل وأحكامٌ عامَّةٌ، وأحكامُ الصلاة ممّا يدخل في تطبيقات قاعدة حجيّة الظنّ في الصلاة،[٢] وآتيًا حديثٌ عن قاعدة حجيّة الظن وبيانٌ لمعناها وتطبيقاتها في الصلاة.


قاعدة حجية الظن في الصلاة: معناها، وتطبيقاتها

معنى قاعدة حجية الظن في الصلاة

يُقصد بحجيّة الظنّ في الصلاة؛ العمل بمقتضى الظن فيها من حيث عدد الركعات؛ أي أن لا يعلم المُصلي على وجه اليقين بأي ركعةٍ هو؛ في الثالثة أم الرابعة، في الأولى أم الثانية، على سبيل المثال، فإذا تواجد الظنّ بتحقّق أحدهما خاصَّةً؛ كان ذلك حجَّةً للمصلي، فإنّ الظنّ هنا معتبرٌ ويُعمل به.[١]


الفرق بين الظن والظن الغالب

يُعرّف الظنّ بأنّه: الاحتمال الراجح مع إمكانيّة واحتماليّة نقيضه، أمّا الظنّ الغالب: فهو إدراك الأمر الراجح وطرح الوهم، وعلى ذلك فإنّ غلبة الظنّ أقوى من مجرد الظنّ، كما أنّ غلبة الظنّ عند الفقهاء تُلحق باليقين، وتُبنى عليها الأحكام العمليّة.[٣]


قواعد حاكمةٌ للشك في الصلاة

ثمّة أحكامٌ وقواعد وضعها الفقهاء حاكمةٌ للشكّ في الصلاة وهي:[٤]

  • القاعدة الأولى: إذا توارد الشكّ للمصلي بعد انتهاء الصلاة؛ فلا عبرة بهذا الشك، إلّا في حال تيقّن المصلّي وجود نقصٍ أو زيادةٍ في صلاته.
  • القاعدة الثانية: إذا كان الشكّ عارضًا متوهَّمًا؛ أي طرأ على الذهن ولم يستقر، وهذا في الغالب عند من يعانون من الوسواس؛ فلا عبرة به، ولا يجب الالتفات إليه؛ إذ إنّ الإنسان إذا ترك نفسه للتوهّم؛ سيتعب كثيرًا.
  • القاعدة الثالثة: إذا كثرت الشكوك عند الإنسان؛ حتّى وصل إلى درجة أنّه لا يفعل فعلًا إلّا شكّ فيه؛ إن صلّى شكّ، وإن صام شكّ؛ فهذا لا عبرة به، والسبب في ذلك أنّ هذا يُعتبر مرضًا وعلَّةً، فالشكّ يبقي ذهن الإنسان غير مستقرٍّ، فلا عبرة به.


أقوال العلماء في قاعدة حجية الظن في الصلاة

ذهب الفقهاء في مسألة الأخذ بغلبة الظن إلى قولين، هما:[٥]

  • القول الأول: ذهب جمهور العلماء من المالكية، الشافعية، الحنابلة إلى القول بعدم العمل بغلبة الظنّ عند الشك في عدد ركعات الصلاة؛ فإن شكّ المصلي هل صلى الظهر ثلاث ركعاتٍ أم أربعا؛ فإنّه يبني على الأقل ويأتي بركعةٍ، واستدلوا بجملة أدلّةٍ منها ما رواه أبو سعيد الخدري -رضي اللهُ عنهُ- عن رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: "إذا شكَ أحدكم في صلاته، فلم يدرِ كم صلى، ثلاثاً أم أربعاً، فليطرحِ الشكَّ، وليبنِ على ما استيقن، ثم يسجدُ سجدتينِ قبلَ أن يُسلمَ فإن كانَ صلى إتماماً لأربعٍ كانتا ترغيماً للشيطانِ".[٦]
  • القول الثاني: ذهب الحنفيّة إلى القول بالأخذ بغلبة الظن وهو اختيار الشوكاني، وابن عثيمين من المعاصرين، فإذا ترجّح للمصلي شيءٌ عمل به، وإن لم يترجّح له شيءٌ بنى على الأقل وأتى بركعةٍ، واستدلوا بما رواه عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: "لو حدثَ في الصلاةِ شيءٌ لأنباتكموه، وإنما أنا بشرٌ أنسى كما تنسونَ فإذا نسيتُ فذكروني وأيكم ما شكَّ في الصلاةِ فليتحرَّ أقربَ ذلكَ من الصوابِ فيتمَّ عليهِ ويسلم، ويسجد سجدتين".[٧]


تطبيقات قاعدة حجية الظن في الصلاة

إذا شكّ المصلي في صلاته، ولم يدر كم صلّى ثلاث ركعاتٍ أو أربعٍ؛ لم يحلّ له الخروج من صلاته بهذا الشكّ إذا كانت صلاة فرضٍ؛ لأنّ قطع الفرض لا يجوز، وعلى المصلّي ان يفعل ما يلي:[٨]

  • إذا كانَ الشكّ متساويًا لدى المصلي؛ أي لم يترجّح لديه أنّه صلّى ثلاثًا أم أنّه صلّى أربعًا؛ فيبني على الأقل، أي يسير على اعتبار أنّه صلّى ثلاثة، ويأتي بركعةٍ رابعةٍ، ويسجد للسهو قبل أن يُسلّم من الصلاة.
  • إذا توارد الشكّ للمصلي هل صلّى ثلاثًا أم أربعًا، ولكن ترجّح لديه أنّه صلّى أربعًا، يبني هنا على الأربعة، ويسلم ويسجد للسهو بعد السلام من الصلاة.


هل اتباع الظن مذموم؟

قد يكون اتّباع الظنّ مذمومًا وغير مقبولٍ وقد يكون مقبولًا، وذلك تبعًا لما يلي:[٩]

  • إذا كان الظنّ مجرَّدًا خالٍ من العلمِ، فهو ظنٌّ مذمومٌ غير مقبولٍ، وقد ورد في القرآن الكريم ذكره وذمّه، ومن ذلك قول الله تعالى: (مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ)،[١٠] وقوله تعالى: (قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ).[١١]
  • إذا كان الظنّ مستندًا إلى علمٍ، فهذا ظنٌّ مقبولٌ؛ لأنّ اتّباع الظنّ المستند إلى علمٍ هو اتباعٌ للعلم لا للظنّ؛ لأنّ ترجيح ظنٍّ على ظنٍّ يحتاج إلى وجود دليلٍ، فيكون الترجيح مستندًا إلى علمٍ.


المراجع

  1. ^ أ ب "متى تقوم غلبة الظن مقام اليقين"، إسلام ويب، 14/11/2013، اطّلع عليه بتاريخ 14/10/2021. بتصرّف.
  2. عبد الرحمن بن صالح العبد اللطيف، القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير، صفحة 39. بتصرّف.
  3. محمد مصطفى الزحيلي، القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة، صفحة 165. بتصرّف.
  4. محمد بن صالح العثيمين، الشرح الممتع على زاد المستقنع، صفحة 378-379. بتصرّف.
  5. "الشك في عدد الركعات"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 13/10/2021. بتصرّف.
  6. رواه مسلم، في صحيح، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:571، صحيح.
  7. رواه الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:1005، صحيح.
  8. "ماذا يفعل إن شكّ في عدد ركعات الصلاة وهو مازال فيها رابط المادة"، طريق الإسلام، 14/3/2008، اطّلع عليه بتاريخ 13/10/2021. بتصرّف.
  9. محمد بن حسين الجيزاني، معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة، صفحة 78-79. بتصرّف.
  10. سورة سورة النساء، آية:157
  11. سورة سورة الانعام، آية:148