إنّ كسوف الشمس وخسوف القمر ظاهرتان كونيّتان، تحدثان بإرادة الله -سبحانه وتعالى-؛ وذلك عند إظلامٍ جانبٍ من جوانب الشمس والقمر، وقد شرع الله -تعالى- أداء صلاةٍ مخصوصةٍ، وفق كيفيَّةٍ محدَّدةٍ، يؤدّيها المسلمون عند كسوف الشمس أو خسوف القمر،[١] وآتيًا بيانٌ لوقت صلاة الكسوف، وحكمها، وكيفيّة أدائها.


وقت صلاة الكسوف

ذهب الفقهاء إلى أنّ وقت أداء صلاة الكسوف هو من حين كسوف الشمس ويستمرّ إلى انجلاء الكسوف وذهابه، واستدلّوا على ذلك بما رُوي عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- من حديث أبي بركة أنّه قال: (كُنَّا عِنْدَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَانْكَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حتَّى دَخَلَ المَسْجِدَ، فَدَخَلْنَا، فَصَلَّى بنَا رَكْعَتَيْنِ حتَّى انْجَلَتِ الشَّمْسُ).[٢][٣]


حكم صلاة الكسوف

ذهب جمهور الفقهاء إلى القول بأنّ صلاة الكسوف سنَّةٌ مؤكَّدةٌ، واستدلوا بما رُوي عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- من قوله: (إنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ آيَتانِ مِن آياتِ اللَّهِ، لا يَخْسِفانِ لِمَوْتِ أحَدٍ ولا لِحَياتِهِ، فإذا رَأَيْتُمْ ذلكَ، فادْعُوا اللَّهَ، وكَبِّرُوا وصَلُّوا وتَصَدَّقُوا)،[٤] فحملوا أداء النبيّ -عليه الصلاة والسلام- لها، وأمره بها على السنيَّة والندب، في حين ذهب بعض الفقهاء إلى القول بأنّ صلاة الكسوف واجبةٌ؛ لحملهم أداء النبيّ -عليه الصلاة والسلام- لها، وأمره بها في الحديث على الوجوب، وردّ عليهم جمهور العلماء القائلين بكونها سنَّةً، بما ورد عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- في حديثٍ آخر عن الأعرابي الذي سأله عن الصلوات المفروضة، وإن كان عليه فرضٌ سوى الصلوات الخمس؛ فأجابه النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بقوله: (لَا، إلَّا أنْ تَطَوَّعَ)؛[٥] ممّا يدلّ على أنّ صلاة الكسوف سنَّةٌ مؤكَّدةٌ لا واجبةٌ.[١]


كيفيّة صلاة الكسوف

لا خلاف بين الفقهاء على أنّ صلاة الكسوف عبارةٌ عن ركعتين، إلّا أنّ أقوالهم تعدّدت في كيفيّتها، ويمكن إجمال الكيفيات التي بيّنها الفقهاء لصلاة الكسوف آتيًا.


صلاة الكسوف عند الجمهور

ذهب الأئمة مالك والشافعيّ وأحمد إلى أنّ صلاة الكسوف ركعتان بركوعين وقيامين وسجدتين، ويطيل الإمام في القراءة، ويطيل في الركوعين، ويطيل في القيام بعد الركوع، واستدلوا بما روته أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (خَسَفَتِ الشَّمْسُ في عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَصَلَّى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالنَّاسِ، فَقامَ، فأطالَ القِيامَ، ثُمَّ رَكَعَ، فأطالَ الرُّكُوعَ، ثُمَّ قامَ فأطالَ القِيامَ وهو دُونَ القِيامِ الأوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ فأطالَ الرُّكُوعَ وهو دُونَ الرُّكُوعِ الأوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ فأطالَ السُّجُودَ، ثُمَّ فَعَلَ في الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ ما فَعَلَ في الأُولَى)،[٦] على أنّ أداء صلاة الكسوف على هذا النحو هو الصورة الأكمل، إلّا أنّهم قالوا بأنّه يجزئ المصلي أن يصلي ركعتين كسائر ركعات النوافل.[٧]


صلاة الكسوف عند الحنفية

ذهب الحنفيّة إلى القول بأنّ صلاة الكسوف في كيفيَّتها كسائر النوافل؛ أي أنّها ركعتان، في كلّ ركعةٍ ركوعٌ واحدٌ وسجودان، واستدلوا برواياتٍ أُخرى واردةٍ عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وأمّا عن الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف؛ فذهب جمهور الفقهاء إلى القول بأنّ الإمام يجهر في صلاة خسوف القمر؛ لأنّها صلاةٌ ليليَّةٌ، ويُسِرّ بالقراءة في صلاة كسوف الشمس؛ لأنّها صلاةٌ في النهار، واختار الإمام أحمد وأبو يوسف من الحنفيّة الجهر حتى في كسوف الشمس، وهو روايةٌ عن الإمام مالك كذلك.[٧]

المراجع

  1. ^ أ ب عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 444. بتصرّف.
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي بكرة نفيع بن الحارث، الصفحة أو الرقم:1040، حديث صحيح.
  3. سعيد بن وهب القحطاني، صلاة الكسوف، صفحة 58. بتصرّف.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1044، حديث صحيح.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن طلحة بن عبيد الله، الصفحة أو الرقم:46، حديث صحيح.
  6. رواه النسائي، في سنن النسائي، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:1482، صححه الألباني.
  7. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 256-257. بتصرّف.