ورد في أواخر سورة طه، قول الله تعالى وهو يخاطب النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَأمُر أَهلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصطَبِر عَلَيها لا نَسأَلُكَ رِزقًا نَحنُ نَرزُقُكَ وَالعاقِبَةُ لِلتَّقوى)،[١] وقد خاطب الله -تعالى- رسوله في الآيات السابقة لهذه الآية مؤانساً ومصبراً له على ما يفتريه المشركون من كلام يؤذيه، وعلى تكذيبهم له وكفرهم بآيات الله، وأمره بأن يسبح الله ويقوم بأداء الصلوات المفروضة في أوقاتها، فإن في ذلك رضاً وطمأنينة له بثواب الله ومعونته، وأمره بألا يُفتتن بما عند المشركين من الأموال والمتاع، لأن ذلك كله فتنة لهم واختبار، وزيادة في العذاب الموعود، وأن ما عند الله خير مما عندهم وأدوم، ثم أمره بأن يأمر أهل بيته بأداء الصلاة، وأن يصبر على ذلك، وأخبره بأنه لا يريد منه أن يجلب المال، فالله هو الرزاق، وهو المتكفل له برزقه، وأنه يريد منه التفرغ للعبادة والتقوى فقط، لأن الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة هو للمتقين.[٢]


تأملات في آية: "وأمر أهلك بالصلاة"


الأقربون أولى بالمعروف

إن أحق الناس بدعوة المسلم إلى الخير والهدى هم أهل بيته، فهم أقرب الناس إليه، وأحبهم إليه، فيجب أن يحب لهم ما يحبه لنفسه، وقد قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)،[٣] فيجب أن يبدأ المسلم بنصيحة أهل بيته وأن يصلح أمرهم قبل أن يتوجه إلى غيرهم، كي ينقذهم بذلك ويقيهم من عذاب الله، فالإنسان لا يمكن أن يكون سعيداً وأهله في شقاء.[٤]


تربية الأولاد على الصلاة

يجب على الأب المسلم أن يربّي أولاده منذ صغرهم على إقامة الصلاة والمحافظة عليها، كي ينشؤوا على الالتزام بأمر الله -تعالى- والخوف منه، وليكونوا من الصالحين، فالصلاة تهذب الأخلاق وتزيد الإنسان إيماناً وتقوى، قال -تعالى-: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ)،[٥] فيجب على الأب أن يأمر أولاده بأداء الصلاة في أوقاتها بشكل دائم، وأن يتابع أمرهم ولا يتهاون في ذلك، وأن يصبر عليهم ولا يمل، ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: (مُرُوا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سبعِ سِنِينَ، واضرِبوهم عليها وهم أبناءُ عشرِ سِنِينَ).[٦][٧]


الصلاة تعين على الصبر

لقد وجه الله -تعالى- نبيه -صلى الله عليه وسلم- إلى أن يستعين بالصلاة عندما يحزنه أمر أو يكون في شدة، فكأنه يلتجأ إليها لينقذ نفسه من الهموم والأحزان، ويريح قلبه مما يعتريه من مشاعر الحزن والضيق، ولِيصبر ويتحمّل على ما يقع عليه من الشدائد والمسؤوليات، وفي ذلك تطبيق عملي لقوله -تعالى-: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ)،[٨] وقد كانت الصلاة قرة عين النبي -صلى الله عليه وسلم- فكان يفرح بها، ويرتاح في أدائها، فهو الذي قال: (وجُعِلَت قُرَّةُ عَيني في الصَّلاةِ)،[٩] وهو الذي قال: (يا بلالُ أقمِ الصلاةَ، أرِحْنا بها).[١٠][١١]


الصلاة توسع الرزق

إن الصلاة وسيلة لسعة الرزق، وتحصيل البركة، في الأوقات والأموال والأعمال والأعمار والثمار والأولاد، وفي كل شيء، لأن الله -تعالى- أمر رسوله بها وتكفل له برزقه ورزق أهل بيته، ووعده بكفاية أمره، وأمره بعدم حمل هم الرزق أبداً، فهو الرازق لعباده المتقين، فالصلاة باب من الأبواب التي تؤدي بالعبد إلى التقوى، وهذا مما يؤدي إلى سعة الرزق والبركة، حيث قال الله -تعالى-: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ).[١٢][١٣]


المراجع

  1. سورة طه، آية:132
  2. وهبة الزحيلي، التفسير الوسيط، صفحة 1560. بتصرّف.
  3. سورة التحريم، آية:6
  4. د. راتب النابلسي، "وأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ"، موسوعة النابلسي، اطّلع عليه بتاريخ 29/9/2021. بتصرّف.
  5. سورة العنكبوت، آية:45
  6. رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن عبدالله بن عمرو ، الصفحة أو الرقم:5868، حسن.
  7. الشيخ عبد الله البصري (1/5/2010)، "وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 29/9/2021. بتصرّف.
  8. سورة البقرة، آية:45
  9. رواه ابن حجر العسقلاني، في فتح الباري لابن حجر، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:20، حديث صحيح.
  10. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن سالم بن أبي الجعد، الصفحة أو الرقم:4985، صحيح.
  11. سورة الطلاق، آية:2-3
  12. الكلم الطيب، "الصلاة وسيلة لسعة الرزق "، الكلم الطيب، اطّلع عليه بتاريخ 29/9/2021. بتصرّف.