الخشوع لغةً: هو الخضوع، والسكون، والتذلل، واصطلاحاً: هو لين القلب وانكساره ورقّته، وتظهر آثار ذلك على الأعضاء والجوارج، فهي تتبع القلب، فمتى تحقق خشوع القلب تبعه خشوع االجوارح، والخشوع في الصلاة هو أن يستحضر المصلي قلبه في الصلاة، ويستشعر فيما يقرؤه من الآيات والسور، وفيما يؤديه من الأقوال والأفعال، فهو واقف بين يدي الله، دائم الصلة به.[١][٢]
كيفية الخشوع في الصلاة
من الأمور التي تعين على تحقيق الخشوع في الصلاة ما يأتي:[٣][٤]
الاستعداد للصلاة واستحضار عظمة الموقف
ففي الصلاة يكون العبد أقرب ما يكون من ربه، فهو يقف بين يديه يستشعر شدّة قربه منه عز وجل وعظمته، فالعبد إذا أراد الصلاة عليه أن يردّد مع الأذان، ويقول الذكر المشروع بين الأذان والإقامة، وأن يحضر باكراً للمسجد؛ ويستعد روحياً بحيث يشغل نفسه بالذكر والدعاء وقراءة ما تيسر له من القرآن، حتى تبدأ الصلاة، والمرأة في بيتها تجلس وتقرأ وتذكر الله تعالى حتى تبدأ صلاتها، فكل ذلك أدعى للخشوع فيها، فعن النبي صلى الله عليه وسلم: (لَا يَزَالُ العَبْدُ في صَلَاةٍ ما كانَ في مُصَلَّاهُ يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ، وَتَقُولُ المَلَائِكَةُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ له، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ، حتَّى يَنْصَرِفَ، أَوْ يُحْدِثَ).[٥]
المعرفة بحقيقة الدنيا وزوالها
فالعبد يستحضر في قلبه أنه سيموت في يوم من الأيام، وأنه سيحاسب على عمله يوم القيامة، ففي الحديث القدسي: (يا عِبَادِي إنَّما هي أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إيَّاهَا)،[٦] وأن هذه الحياة الدنيا حياة زائلة، فهي دار عبور للدار الباقية الآخرة، فيجتنب في صلاته التفكير في الأمور الدنيوية، التي تشغله عن صلاته والخشوع فيها.
الصلاة في أول الوقت
فتأخير الصلاة لآخر الوقت يشتت تركيز المصلي فيتعجل في أدائها قبل فوات الوقت، فلا يعطي كل ركن حقه، ولقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على أن يحرص المسلم على الصلاة في أول وقتها، والتأني فيها وعدم العجلة، فكل ذلك أدعى لتحقيق الخشوع فيها.
النظر إلى موضع السجود واتخاذ السترة
فعلى المصلي أن يضع أمامه حاجزاً، أو يصلي إلى الحائط، حتى لا ينشغل بأي أمر آخر غير الصلاة، ولا يمرّ أحد أمامه فيشغله عن خشوعه فيها، وعليه أن ينظر إلى موضع سجوده وهو قائم، فهذا يعين على الخشوع.
السكون وتجنب الحركة الكثيرة
إن كثرة الحركة والالتفات في الصلاة والعبث خلالها يمنع من الخشوع فيها، فلا بدّ للمصلي حتى يحقق الخشوع أن يطمئن ويسكن في صلاته، فلا يتحرك، ولا يلتفت يمنة ويسرة، ولا يعبث بجسده أو بلحيته أو بثوبه، وغير ذلك.
التركيز في الصلاة
حيث يجب على المصلي أن يقوم بالتركيز على أقوال وأفعال الصلاة، ويؤديها على أتم وجه، فلا يشغل فكره بأموره الحياتية، ويتجنب حديث النفس، ويطرد وساوس الشيطان عن ذهنه.
التدبر في معاني الآيات والأدعية والألفاظ في الصلاة
فيحرص المصلي على التدبّر والتفكر في معاني الآيات والسور التي يقرؤها في صلاته، وما يقوله من أذكار وأدعية، فيستعيذ من النار عند المرور من الآيات التي تتحدث عنها، ويسبح عند المرور بآيات التسبيح، ويستغفر عند المرور بآيات الاستغفار، وعليه أن ينوع في الآيات والسور والأذكار والأدعية، وأن يحسّن صوته ويرتله، ويقرأ بتأني دون استعجال، فهذا كله يؤدي إلى زيادة الخشوع وعدم الشعور بالملل والكسل فيها.
عدم أداء الصلاة عند حضور الطعام
جاء في الحديث: (إذا وُضِعَ عَشاءُ أحَدِكُمْ وأُقِيمَتِ الصَّلاةُ، فابْدَؤُوا بالعَشاءِ، ولا يَعْجَلَنَّ حتَّى يَفْرُغَ منه)،[٧] فقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه أنه إذا جاء وقت أداء الصلاة وكان الطعام قد حضر، فإن الأفضل للمسلم أن يبدأ بالطعام، ويأكل بقدر حاجته، ثم يصلّي، لأنه إذا بدأ بالصلاة وذهنه مشغول بالطعام، أدى ذلك إلى تشتته وعدم تركيزه وأدى الصلاة من غير خشوع واستحضار، لكن إذا أكل أولاً وأخذ حاجته من الطعام ثم بدأ بالصلاة، فإنه سيؤدي الصلاة بخشوع وحضور، بقلب مقبل لها، دون انشغاله بشيء غير الصلاة.[٨]
أهمية الخشوع في الصلاة
الخشوع في الصلاة سبب لمغفرة السيئات والذنوب، والحصول على الأجر العظيم، وإجابة الدعاء وقبول الأعمال؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاةٌ مَكْتُوبَةٌ فيُحْسِنُ وُضُوءَها وخُشُوعَها ورُكُوعَها، إلَّا كانَتْ كَفَّارَةً لِما قَبْلَها مِنَ الذُّنُوبِ ما لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً وذلكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ)،[٩] وهو سببٌ من أسباب الفلاح في الدنيا والآخرة؛ لقوله تعالى في مطلع سورة المؤمنون: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ).[١٠][١١]
المراجع
- ↑ سعيد بن علي بن وهف القحطاني، الخشوع في الصلاة في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 8-13. بتصرّف.
- ↑ أبو لطفي، محمَّد بن لطفي، بن عبد اللطيف، بن عمر الصبَّاغ، الخشوع في الصلاة، صفحة 15-16. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 117-118. بتصرّف.
- ↑ أبو لطفي، محمَّد بن لطفي، بن عبد اللطيف، بن عمر الصبَّاغ ، الخشوع في الصلاة، صفحة 44-76. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو هريرة ، الصفحة أو الرقم:649 ، صحيح.
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن أبو ذر الغفاري ، الصفحة أو الرقم:2577 ، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:559، صحيح.
- ↑ "الحكم على حديث: "إذا حضر طعام العشاء..""، الإمام ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 1/11/2021. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن عثمان بن عفان ، الصفحة أو الرقم:228.
- ↑ سورة المؤمنون، آية:1-2
- ↑ أبو لطفي، محمَّد بن لطفي، بن عبد اللطيف، بن عمر الصبَّاغ، الخشوع في الصلاة، صفحة 41-43. بتصرّف.