قبلة الصلاة هي الجهة التي يتوجه إليها المصلي في صلاته، ومما أجمعت عليه الأمة الإسلامية هو أن اتجاه قبلة الصلاة نحو الكعبة المشرفة في المسجد الحرام في مكة المكرمة، فيجب على كل مسلم إذا أراد أن يصلي أن يتوجه نحو الكعبة أينما كان مكانه.[١]


كانت قبلة الصلاة في بداية الإسلام نحو المسجد الأقصى في القدس الشريف، فقد صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه نحوه قرابة السنة والنصف، حيث جاء في الحديث: (صَلَّيْنَا مع رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ نَحْوَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ صُرِفْنَا نَحْوَ الكَعْبَةِ)،[٢] وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ينتظر تغيير اتجاه قبلة الصلاة نحو الكعبة بأمر من ربه، وكان ينتظر ذلك بشوق ولهفة فينظر إلى السماء مترقباً نزول الوحي، قال -تعالى-: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ).[٣]


حكم استقبال القبلة في الصلاة

اتفق الفقهاء على أن استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة، فلا تصح صلاة من لم يستقبل القبلة ويتوجه إليها بجسده كاملاً وهو قادر على ذلك، لقوله -تعالى-: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)،[٤] ولِما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه: (رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ في قُبُلِ الكَعْبَةِ، وقالَ: هذِه القِبْلَةُ)،[٥] ويُستثنى من هذا الحُكم ثلاثة حالات تصح فيها الصلاة بدون استقبال القبلة، هي:[٦][٧]

  • في حالة الخوف الشديد: كاشتداد القتال في المعركة، أو كمن كان مسافراً على دابته وخاف على نفسه أو ماله من الوحوش والسباع أو اللصوص والأعداء إذا نزل عن ظهرها.
  • في حالة صلاة النافلة للمسافر الراكب على الراحلة: حيث يتوجه كيفما توجهت به راحلته ويصلي من النوافل ما شاء.
  • في حالة المرض والعجز: كالمريض العاجز عن الحركة والذي لا يجد من يقوم بتحريكه اتجاه القبلة، أو كالمربوط الذي لا يستطيع الحركة.


هل يجب التوجه إلى عين الكعبة أم إلى جهتها؟

فرَّق الفقهاءُ في الجواب على هذه المسألة بين من يشاهد الكعبة ويكون قريباً منها، وبين من لا يشاهدها ويكون بعيداً عنها، وهي على حالتيْن:


الحالة الأولى

اتفق الفقهاء على أن من يشاهد الكعبة بعينه ويكون حاضراً قريباً منها فالواجب عليه التوجه إلى عين الكعبة مباشرة بذاتها وليس إلى جهتها فقط، أي أن يكون جسده مقابلاً لها، وأوجب الحنابلة كذلك على أهل مكة والمقيمين فيها التوجه إلى عين الكعبة حتى لو حال بين المصلي والكعبة حائل كالجدران والأبنية.[٨]


الحالة الثانية

في حالة عدم مشاهدة الكعبة والبعد عنها بمسافات كبيرة فالواجب استقبال جهة الكعبة فقط عند جمهور الفقهاء عدا الشافعية، ودليل الجمهور ما جاء في الحديث: (ما بين المَشرِق والمغرِبِ قِبلةٌ)،[٩] ولأنه لو كان استقبال عين الكعبة واجباً لما صحت صلاة الصف الطويل المستقيم، حيث من المستحيل أن يواجه جميع من فيه عين الكعبة، ولما صحت صلاة شخصين متباعدين يصليان إلى قبلة واحدة، وأما الإمام الشافعي فعنده يجب على البعيد غير المُشاهد للكعبة أن يستقبل عينها لا جهتها فقط، ودليلُه قول الله -تعالى-: (وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ).[١٠][١١]


المراجع

  1. محمود عويضة، الجامع لأحكام الصلاة، صفحة 147. بتصرّف.
  2. رواه البراء بن عازب، في صحيح مسلم، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم:525، حديث صحيح.
  3. سورة سورة البقرة، آية:144
  4. سورة البقرة، آية:150
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن عباس، الصفحة أو الرقم:398، حديث صحيح.
  6. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 302. بتصرّف.
  7. "الحالات التي يسقط فيها شرط استقبال القبلة"، الإسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 20/9/2021. بتصرّف.
  8. وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 757. بتصرّف.
  9. رواه علاء الدين مغلطاي ، في شرح ابن ماجه، عن علي بن ابي طالب، الصفحة أو الرقم:639، حديث سنده صحيح .
  10. سورة البقرة، آية:150