يُعرَّف سجود التلاوة أو ما يُعرَف بسجود القرآن بأنّه: السجود الذي يُؤدّى؛ بسبب تلاوة آيةٍ من آيات السجود الواردة في القرآن الكريم،[١] وقد رغّب الله –سُبحانه- عباده في تلاوة آياته؛ لنيل الأجر العظيم والثواب الجزيل، قال –تعالى-: "إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّـهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ*لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ"،[٢][٣] وفيما يأتي بيان ما يتعلّق به:
حكم سجود التلاوة
يتفرّع حكم سجود التلاوة بالنظر إلى حال الساجد، وفيما يأتي تفصيل ذلك:[٤]
حكم سجود التلاوة للقارئ
اختلف العلماء في حكم سجود التلاوة للقارئ، وبيان ما ذهبوا إليه آتياً:[٤]
- الحنفية وشيخ الإسلام ابن تيمية: قالوا إنّ سجود التلاوة واجبٌ على القارئ في الصلاة وخارجها.
- المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية: قالوا إنّ سجود التلاوة سُنّة للقارئ.
حكم سجود التلاوة للمستمع
المستمع للقرآن هو: المُصغي إليه بانتباهٍ شديدٍ،[٥] وقد اختلف العلماء في حكم سجود التلاوة في حقّه، وأقوالهم فيما يأتي:[٤]
- الحنفية وشيخ الإسلام ابن تيمية: قالوا إنّ سجود التلاوة واجب على المُستمع.
- المالكية والشافعية والحنابلة: قالوا إنّ سجود التلاوة سُنّة للمُستمع.
حكم سجود التلاوة للسامع
السامع للقرآن هو: مَن يتلقّاه بحاسّة السمع دون قَصدٍ أو انتباهٍ،[٦] وقد اختلف العلماء في حكم سجود التلاوة في حقّه، وبيان خلافهم فيما يأتي:[٤]
- الحنفية: قالوا إنّ سجود التلاوة واجب في حقّ السامع.
- المالكية والحنابلة: قالوا إنّ سجود التلاوة لا يُشرَع في حقّ السامع.
- الشافعية: قالوا إنّ سجود التلاوة سُنّة للسامع.
عدد سجدات التلاوة في القرآن الكريم
اتّفق العلماء على عددٍ من سجدات التلاوة، واختلفوا في أخرى منها، وفيما يأتي تفصيل ذلك:[٧]
سجدات التلاوة المُتّفق عليها
اتّفق العلماء على عشر سجداتٍ للتلاوة في القرآن الكريم، وهي:[٧]
- آخر آيةٍ من سورة الأعراف؛ وهو قوله -تعالى-: "إِنَّ الَّذينَ عِندَ رَبِّكَ لا يَستَكبِرونَ عَن عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحونَهُ وَلَهُ يَسجُدونَ".[٨]
- الآية الخامسة عشرة من سورة الرعد؛ وهو قوله -تعالى-: "وَلِلَّـهِ يَسجُدُ مَن فِي السَّماواتِ وَالأَرضِ طَوعًا وَكَرهًا وَظِلالُهُم بِالغُدُوِّ وَالآصالِ".[٩]
- الآية التاسعة والأربعون من سورة النحل؛ وهو قوله -تعالى-: "وَلِلَّـهِ يَسجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الأَرضِ مِن دابَّةٍ وَالمَلائِكَةُ وَهُم لا يَستَكبِرونَ".[١٠]
- الآية السابعة بعد المئة من سورة الإسراء؛ وهو قوله -تعالى-: "قُل آمِنوا بِهِ أَو لا تُؤمِنوا إِنَّ الَّذينَ أوتُوا العِلمَ مِن قَبلِهِ إِذا يُتلى عَلَيهِم يَخِرّونَ لِلأَذقانِ سُجَّدًا".[١١]
- الآية الثامنة والخمسون من سورة مريم؛ وهو قوله -تعالى-: "إِذا تُتلى عَلَيهِم آياتُ الرَّحمـنِ خَرّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا".[١٢]
- الآية الثامنة عشر من سورة الحج؛ وهو قوله -تعالى-: "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ".[١٣]
- الآية الخامسة والعشرون من سورة النمل؛ وهو قوله -تعالى-: "أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّـهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ".[١٤]
- الآية الخامسة عشرة من سورة السجدة؛ وهو قوله -تعالى-: "إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ".[١٥]
- الآية الستّون من سورة الفرقان؛ وهو قوله -تعالى-: "وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَـنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَـنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا".[١٦]
- الآية السابعة والثلاثون من سورة فُصّلت؛ وهو قوله -تعالى-: "وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّـهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ".[١٧]
سجدات التلاوة المُختلَف فيها
اختلف العلماء في خمسة مواضع للسجود من القرآن الكريم؛ وهي:[٧]
- الآية السابعة والسبعون من سورة الحجّ؛ وهو قوله -تعالى-: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ".[١٨]
- السجود في سورة ص؛ وقد اختلف العلماء فيما إن كان السجود في الآية الخامسة والعشرين؛ وهو قوله -تعالى-: "فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ"،[١٩] أم في الآية الرابعة والعشرين؛ وهو قوله -تعالى-: "وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ".[٢٠]
- السجود في سُوَر المُفصَّل من القرآن؛ والتي تبدأ من (أوّل سورة ق) إلى (آخر سورة الناس)، والآيات هي:
- الآية الأخيرة من سورة النجم؛ وهو قوله -تعالى-: "فَاسْجُدُوا لِلَّـهِ وَاعْبُدُوا".[٢١]
- الآية الحادية والعشرون من سورة الانشقاق؛ وهو قوله -تعالى-: "وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ".[٢٢]
- الآية الأخيرة من سورة العلق؛ وهو قوله -تعالى-: "كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِب".[٢٣]
وقت سجود التلاوة
اختلف العلماء في وقت أداء سجود التلاوة، وبيان ذلك فيما يأتي:[٢٤]
- جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة: قالوا إنّ وقت سجود التلاوة يدخل بتلاوة أو سماع آية السجدة كلّها، ولا يصحّ السجود قبل قراءة آخر حرفٍ من الآية التي ورد فيها لفظ السجود.
- الحنفية: قالوا إنّ وقت سجود التلاوة يدخل بتلاوة أكثر الآية (الجزء الأكبر منها) التي ورد فيها السجود مع حرف أو كلمة السجدة.
شروط سجود التلاوة
اتّفق العلماء على عدّة شروطٍ لسجود التلاوة؛ وهي:[٢٥]
- النية.
- الطهارة؛ بالوضوء، أو الغُسل.
- طهارة الجسد، والثوب، والمكان.
- سَتر العورة.
- استقبال القِبلة.
كيفية سجود التلاوة
يُؤدّى سجود التلاوة مرّةً واحدةً يُقال فيها: "سبحان ربي الأعلى"، أو: "سبحانك اللهمّ ربنا وبحمدك اللهمّ اغفر لي"، أو: "سجد وجهي للذي فطره وشقّ سمعه وبصره بحوله وقوته"، ويختلف إن كان في الصلاة، أم خارجها؛ كما هو مُبيّن فيما يأتي:[٢٦]
- خارج الصلاة: السجود مرّة واحدة دون تكبيرٍ قبلها، أو تشهُّد أو تسليمٍ بعدها.
- داخل الصلاة: السجود مرّة بعد التكبير، والرَّفع منها بالتكبير أيضاً.
ما يقوم مقام سجود التلاوة
لا يقوم أي ذِكرٍ أو دعاءٍ مَقام سجود التلاوة حال القُدرة والاستطاعة، والإتيان بأيّ ذِكرٍ أو دعاءٍ بَدل سجود التلاوة من البِدع المُحدَثة.[٢٧][٢٨]
أحكامٌ مُتعلّقةٌ بسجود التلاوة
أداء سجود التلاوة في أوقات النهي عن الصلاة
يجوز أداء سجدة التلاوة في الأوقات المَنهيّ عن الصلاة فيها؛ وهي: من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، ومن طلوع الشمس إلى ارتفاعها، وقبل صلاة الظهر بثلث أو ربع ساعةٍ، ومن بعد صلاة العصر إلى حين اصفرار الشمس، ومن اصفرارها إلى حين غروبها؛ إذ لا تنطبق جميع أحكام الصلاة على سجود التلاوة.[٢٩][٣٠]
تكرار سجود التلاوة
بَيّن العلماء حُكم تكرار السجود بحسب الحال، وبيان ذلك آتياً:[٣١]
- اختلاف مَوضع السجدة: اتّفق العلماء على أداء جميع سجدات التلاوة إن اختلفت مَواضعها؛ فلو قُرئ القرآن كاملاً على سبيل المثال في مجلس واحدٍ، فلا بدّ من السجود عند كلّ مَوضع للسجود فيه.
- اتِّحاد مَوضع السجود: اختلف العلماء في تكرار سجود التلاوة للمَوضع الواحد إن تكرَّرت القراءة؛ أي إن تكرّرت قراءة الآية التي ورد فيها موضع السجود أكثر من مرةٍ في وقتٍ واحدٍ، وبيان ما ذهبوا إليه آتياً:
- المالكية والشافعية: قالوا بتكرار السجود إن تكرَّر المَوضع الواحد.
- الحنفية والحنابلة: قالوا بعدم تكرار السجود إن تكرَّر المَوضع الواحد.
سجود التلاوة في الصلاة السرّية
اختلف العلماء في حكم قراءة آياتٍ اشتملت على سجدة تلاوة في الصلاة السرّية، وبيان أقوالهم فيما يأتي:[٣٢]
- الحنفية والحنابلة: قالوا إنّ قراءة آياتٍ مشتملةٍ على سجود التلاوة أمر مكروه للإمام في الصلاة السرّية؛ لأنّه يُوهم المُصلّين بأنّه أخطأ في صلاته، فيقتدون به على خطأ.
- المالكية: قالوا إنّ قراءة آياتٍ مشتملةٍ على سجود التلاوة أمر مكروه للإمام في الصلاة السرّية من الفريضة فقط دون النوافل.
- الشافعية: قالوا إنّ قراءة آياتٍ مشتملةٍ على سجود التلاوة لا يُكرَه مُطلقاً.
فضل سجود التلاوة
يُعدّ سجود التلاوة سبباً من أسباب دخول الجنّة؛ لِما فيه من الامتثال لأوامر الله –سبحانه وتعالى-؛ فقد أخرج الإمام مُسلم في صحيحه عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أنّ النبيّ –عليه الصلاة والسلام- قال: "إذا قَرَأَ ابنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطانُ يَبْكِي، يقولُ: يا ويْلَهُ، وفي رِوايَةِ أبِي كُرَيْبٍ: يا ويلي أُمِرَ ابنُ آدَمَ بالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الجَنَّةُ، وأُمِرْتُ بالسُّجُودِ فأبَيْتُ فَلِيَ النَّار".[٣٣][٣٤]
المراجع
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 212. بتصرّف.
- ↑ سورة فاطر، آية:29-30
- ↑ صالح اللاحم، سجود التلاوة وأحكامه، صفحة 11. بتصرّف.
- ^ أ ب ت ث صالح اللاحم، سجود التلاوة وأحكامه، صفحة 20-39. بتصرّف.
- ↑ "تعريف وشرح ومعنى مستمع إليه"، معجم المعاني الجامع، اطّلع عليه بتاريخ 21/12/2020. بتصرّف.
- ↑ "تعريف وشرح ومعنى سماع"، معجم المعاني الجامع، اطّلع عليه بتاريخ 21/12/2020. بتصرّف.
- ^ أ ب ت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويت، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 216-220. بتصرّف.
- ↑ سورة الأعراف، آية:206
- ↑ سورة الرعد، آية:15
- ↑ سورة النحل، آية:49
- ↑ سورة الإسراء، آية:107
- ↑ سورة مريم، آية:58
- ↑ سورة الحج، آية:18
- ↑ سورة النمل، آية:25
- ↑ سورة السجدة، آية:15
- ↑ سورة الفرقان، آية:60
- ↑ سورة فصلت، آية:37
- ↑ سورة الحج، آية:77
- ↑ سورة ص، آية:25
- ↑ سورة ص، آية:24
- ↑ سورة النجم، آية:62
- ↑ سورة الانشقاق، آية:21
- ↑ سورة العلق، آية:19
- ↑ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويت، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 215. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 1131. بتصرّف.
- ↑ موقع الدرر السنية، الموسوعة الفقهية الدرر السنية، صفحة 200-202. بتصرّف.
- ↑ وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الكويت، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 227-228. بتصرّف.
- ↑ محمد صالح المنجد (2009-04-11)، "هل يجوز الاكتفاء بالتسبيح والذكر عن سجود التلاوة ؟"، إسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 2020-11-29. بتصرّف.
- ↑ اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، فتاوى اللجنة الدائمة، صفحة 166. بتصرّف.
- ↑ "الأوقات المنهي عن الصلاة فيها"، ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 21/12/2020. بتصرّف.
- ↑ صالح اللاحم، سجود التلاوة وأحكامه، صفحة 117-118. بتصرّف.
- ↑ صالح اللاحم، سجود التلاوة أوحكامه، صفحة 84-86. بتصرّف.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:81، صحيح.
- ↑ محمد التويجري، موسوعة الفقه الإسلامي، صفحة 476. بتصرّف.