الإمامة في الصلاة من أرفع وأجلّ المناصب الدّينية، ولأهميتها فقد تولّاها النبيّ محمدٍ -صلّى الله عليه وسلم- بنفسه، ثمّ تولّاها الخلفاء الراشدون من بعده، فالإِمامة على وجه العموم تعني الاتّباع والاقتداء سواءً في الخير أم الشر، فقد قال الله -تعالى-: (وَجَعَلناهُم أَئِمَّةً يَهدونَ بِأَمرِنا)،[١] وقال أيضاً: (وَجَعَلْناهُم أَئِمَّة يَدْعون إلى النَّار).[٢]


ما هي الإمامة؟

الإِمامة في اللغة هي: الاتّباع والاقتداء في كافّة الأمور سواءً الخير منها أم الشر،[٣] والإِمامة الصُغرى أو ما تُعرف بالإمامة في الصّلاة يُراد بها: أنْ يربط المسلم صلاته بصلاة غيره ممّن يرضاه إماماً له على أن يكون مُستكملاً للشروط التي وضعها أهل العلم والفقه لذلك، وذلك بأنْ يتّبعه في كافّة أفعال الصلاة من قيامٍ وركوعٍ وسجودٍ ونحو ذلك، فإذا بَطُلَت صَلاة الإمام فإنَّ صلاة المأموم تَبْطُل كذلك؛ لأنّه رَبَطَ صَلاتَه بِصلاة الإِمام، وتتحقق الإِمامة في الصّلاة بوجود شخصٍ واحدٍ أو أكثر مع الإمام سَواء أكانَ رجُلاً أم امرأةً باتّفاق الأئِمة الأربعة.[٤]


شروط الإِمامة

وَضَع أهل العلم والفُقهاء شروط يَجب تَوافرها في الإِمام حتّى تصحّ إمامتُه، هي:[٥]

  • الإِسلام: فلا تصحّ إِمامة غير المُسلم، إذ إنّها مقتصرةٌ على المسلم.
  • البُلوغ: وقدّ فَرَّق العلماء بينَ إمامة الصبيّ المُميّز في الصّلاة المَفروضة والصّلاة النافلة على النّحو الآتي:
  • الصلاة المفروضة: ذهبَ الحنفية والمالكية والحنابلة إلى أنّ إمامة الصبيّ المُميّز ببالغ لا تَصحّ في الصّلاة المَفروضة وخَالَفَهُم في ذلك الإِمام الشّافعي؛ فقال بالجواز إلّا في صلاة الجمعة.
  • صلاة النافلة: اتَّفقَ المالكية والشافعية والحنابلة على صِحّة اقتداء البالِغ بالصبيّ المُميّز في صلاة النافلة، وخَالَفَهُم في ذلك الحنفيّة فقالوا بعدم الجواز.
  • الذكورة: وُضِعَ هذا الشرط إِن كانوا المأمومين رِجال، أمّا إن كانوا نساء فتصحّ إمامة المَرأة بهم باتِّفاق الأئِمّة الثلاثة الحنفية والشافعية والحنابلة، وخَالَفهُم في ذلك المالكيّة فالذكورَة عِندهم شرطٌ مُطلَقٌ في الإِمام مهما كان المَأموم.
  • العقل: لا تَصِحّ الصّلاة خَلَف المَجنون؛ لأن صَلاته لِنفسه باطلةٌ، أمّا إذا كان جُنونه مُتقطعاً فتَصِحّ إمامته حَالَ إِفاقته باتِّفاق العلماء.
  • القدرة على القراءة وإحسانها: فيجبّ على الإِمام أن يُحسن قِراءة ما لا تَصِحّ الصّلاة إلا بِه.
  • الطهارة من الحَدَث والخبث: وُجِد هذا الشرط باتِّفاق المَذاهب الفقهية الأربعة، فيجب على الإمام أن يكون طاهراً طهارةً تامةً كاملةً، فَلا تَصِحّ إمامة المُحِدث أو مَنْ عليه نَجاسة، وإنْ عَلِم الإمام بذلك الحَدَث وتَعمّدَ الصّلاة فإنّ صَلاتَه وصَلاة منْ اقتدى به باطلةٌ؛ لأنّها فَقَدت شَرط مِنْ شُروط صِحّة الصلاة وهو الطّهارة.


آداب الإِمام في الصّلاة

ذَكَر أهل العِلم آداب يُسنّ للإِمام التحلّي بِها عند قِيامه بالإِمامة، منها:[٦]

  • التخفيف في الصلاة؛ فالسُّنّة للإِمام إذا صَلّى بالناس التخفيف من الصلاة مع تمامها وكمالها، لقول النبيّ -صلّى الله عليه وسلم-: (إذا صَلّى أَحَدَكُم للنّاس، فُليخفّف؛ فإنّ مِنهم الضَّعيف والسَّقيم والكَبير، وإِذا صلَّى أَحَدكم لِنَفْسه فَليطوّل ما شاء).[٧]
  • تطويل الركعة الأولى أكثر من الركعة الثانية، وذلك لِحديث أبي سعيد الخُدَري -رضي الله عنه- قال: (كانَت الصّلاة تُقام لرسول الله -صلّى الله عليه وسلم- الظهر، فَيخرج أَحدُنا إلى البَقيع، فَيقضي حاجته فَيجيء فَيتوضأ، فَيجِد رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- في الركعة الأُولى مِن الظُهر).[٨]
  • ألّا يُصلّي الإِمام في مَكان لا يَراه فيه المَأمومين أو مَكان مُرتَفِع جداً عَنهُم، إلّا إِذا كَان مَعَه بَعض الصفوف.
  • ألّا يُطيل الجُلوس بَعدَ السّلام، فَإذا سَلّم استقبل المَأمومين بِوجهه، لِحديث سَمُرة بن جندب -رضي الله عنه- قال: (كان النَبيّ -صَلّى الله عليه وسلم- إذا صلّى صَلاة أَقبَل علينا بوجهه).[٩]

المراجع

  1. سورة الأنبياء، آية:73
  2. سورة القصقص، آية:41
  3. وهبة الزحيلي، كتاب الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 1191-1192. بتصرّف.
  4. عبدالرحمن الجزيري، كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، صفحة 367. بتصرّف.
  5. عبدالرحمن الجزيري، كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، صفحة 371. بتصرّف.
  6. سعيد بن وهف القحطاني، كتاب الإمامة في الصلاة، صفحة 142. بتصرّف.
  7. رواه الإمام البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:703، صحيح.
  8. رواه الإمام الألباني، في صحيح ابن ماجه، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:681، صحيح.
  9. رواه الإمام البخاري، في صحيح البخاري، عن سمرة بن جندب، الصفحة أو الرقم:845، صحيح.