معنى قاعدة المشقة تجلب التيسير

  • تُعتبر قاعدة "المشقة تجلب التيسير" إحدى القواعد الفقهية الكبرى في الشريعة الإسلامية، وهي مختصة ببيان التخفيفات والرُّخص الشرعية المبنية على الأعذار الموجبة لذلك،[١] ومعنى القاعدة هو أنه إذا كان تطبيق بعض الأحكام الشرعية يؤدي بسبب من الأسباب إلى حرج وعناء شديد، فإن تلك الأحكام تُخفف وتُسَهَّل، ليزول الحرج والعناء، وهذا أساس من أساسات الدين.[٢]
  • وقد أجمع علماء الإسلام على صحة هذه القاعدة، ولها أدلة كثيرة من القرآن والسنة، منها قوله -تعالى-: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}،[٣] وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أحَدٌ إلَّا غَلَبَهُ)،[٤] وما جاء في الحديث أيضاً: (ما خُيِّرَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بيْنَ أمْرَيْنِ إلَّا اخْتارَ أيْسَرَهُما ما لَمْ يَأْثَمْ)،[٥] فحيثما وُجدت المشقة وُجد التيسير والتخفيف، والمشقة المقصودة ليست المشقة العادية المُحتملة في أداء العبادة، وإنما هي المشقة الشديدة الطارئة لسبب عارض، والأسباب الشرعية المُخفِّفة عديدة، منها السفر والمرض والخوف وغير ذلك.[٦]


تطبيقات قاعدة المشقة تجلب التيسير في الصلاة

هناك أمثلة كثيرة حول تطبيق قاعدة "المشقة تجلب التيسير" في الصلاة، سيتم توضيح بعضها فيما يلي.


جمع الصلاة وقصرها في السفر

رَخَّصَ الله -تعالى- للمسلمين جمع الصلاة وقصرها في السفر، وذلك لما في السفر من مشقة وعناء وحرج، وقد وردت أدلة عديدة على مشروعية الجمع والقصر، منها ما جاء في الحديث: (صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ في طَرِيقِ مَكَّةَ، قالَ: فَصَلَّى لَنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقْبَلَ وَأَقْبَلْنَا معهُ، حتَّى جَاءَ رَحْلَهُ، وَجَلَسَ وَجَلَسْنَا معهُ، فَحَانَتْ منه التِفَاتَةٌ نَحْوَ حَيْثُ صَلَّى، فَرَأَى نَاسًا قِيَامًا، فَقالَ: ما يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ؟ قُلتُ: يُسَبِّحُونَ، قالَ: لو كُنْتُ مُسَبِّحًا لأَتْمَمْتُ صَلَاتِي، يا ابْنَ أَخِي إنِّي صَحِبْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ في السَّفَرِ، فَلَمْ يَزِدْ علَى رَكْعَتَيْنِ حتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ، فَلَمْ يَزِدْ علَى رَكْعَتَيْنِ حتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، وَصَحِبْتُ عُمَرَ، فَلَمْ يَزِدْ علَى رَكْعَتَيْنِ حتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، ثُمَّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ، فَلَمْ يَزِدْ علَى رَكْعَتَيْنِ حتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ. وَقَدْ قالَ اللَّهُ: لقَدْ كانَ لَكُمْ في رَسولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ).[٧][٨]

التخفيف على العاجز والمريض

خفف الإسلام على العاجز والمريض الذي لا يستطيع أداء الصلاة على الوجه المطلوب، فأباح له أن يصليها وفق قدرته واستطاعته، وهذا من يسر الإسلام ورحمته وتيسيره على الناس، فالقيام في الصلاة ركن من أركانها، ولكنه يسقط عن غير القادر عليه، فيجوز له أن يصلي جالساً، أو مضطجعاً، أو مستلقياً على ظهره، على حسب قدرته واستطاعته، جاء في الحديث: (صَلَّى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بَيْتِهِ وهو شَاكٍ، فَصَلَّى جَالِسًا).[٩][١٠]


تشريع صلاة الخوف

يَسَّرَ الله -تعالى- على المسلمين أمر الصلاة في حالة القتال مع الأعداء، فشرع لهم صلاة الخوف، ليتمكنوا من أداء الصلاة دون أن يُباغِتهم الأعداء أثناء صلاتهم وينالوا منهم، وقد بّيَّن الله -تعالى- طريقة الصلاة مُفصّلة في القرآن الكريم، وقد صلاها النبي -صلى الله عليه وسلم- مع أصحابه في غزواته مرات عديدة، جاء في الحديث: (صَلَّى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ صَلَاةَ الخَوْفِ في بَعْضِ أَيَّامِهِ، فَقَامَتْ طَائِفَةٌ معهُ وَطَائِفَةٌ بإزَاءِ العَدُوِّ، فَصَلَّى بالَّذِينَ معهُ رَكْعَةً، ثُمَّ ذَهَبُوا وَجَاءَ الآخَرُونَ، فَصَلَّى بهِمْ رَكْعَةً، ثُمَّ قَضَتِ الطَّائِفَتَانِ رَكْعَةً رَكْعَةً. قالَ: وَقالَ ابنُ عُمَرَ: فَإِذَا كانَ خَوْفٌ أَكْثَرَ مِن ذلكَ فَصَلِّ رَاكِبًا، أَوْ قَائِمًا تُومِئُ إيمَاءً).[١١][١٢]


المراجع

  1. محمد صدقي آل بورنو، موسوعة القواعد الفقهية، صفحة 632. بتصرّف.
  2. محمد حسن عبد الغفار، القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه، صفحة 3. بتصرّف.
  3. سورة الحج، آية:78
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:39، حديث صحيح.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين ، الصفحة أو الرقم:6786 ، حديث صحيح.
  6. حمد الحمد، شرح منظومة القواعد الفقهية للسعدي، صفحة 10. بتصرّف.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:689 ، حديث صحيح.
  8. الطاهر الأنصاري، التيسير في العبادات، صفحة 125. بتصرّف.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1113 ، حديث صحيح.
  10. الطاهر الأنصاري، التيسير في العبادات، صفحة 134. بتصرّف.
  11. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:839 ، حديث صحيح.
  12. الطاهر الأنصاري، التيسير في العبادات، صفحة 154. بتصرّف.