حكم صلاة الجماعة للرجال

نالت صلاة الجماعة قدراً كبيراً في الإسلام؛ وثبت بشأنها آيات وأحاديث كثيرة؛ غير أنّ آراء أهل العلم تعدّدت في حكمها بحقّ الرّجال، وذلك تبعاً لفهم النّصوص الشرعية الخاصة بها، وفيما يأتي إجمالٌ لهذه الآراء مع الدّليل:[١]


  • الرأي الأول: صلاة الجماعة سنّة مؤكدّة

يرى أصحاب هذا القول أنّ صلاة الجماعة للرّجال سنّة مؤكّدة، واستدلوا بأحاديث عدّة، منها: ما ثبت في الصحيح أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم: قال: (صَلَاةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الفَذِّ بسَبْعٍ وعِشْرِينَ دَرَجَةً)،[٢]


  • الرأي الثاني: صلاة الجماعة فرض عين

ذهب أصحاب هذا الرأي إلى أنّ صلاة الجماعة واجبة على كلّ مسلم مكلّف قادر، ولكنّها ليست شرطاً لصحّة الصلاة، واستدلّوا بعدّة أدلة، منها قوله -عزّ وجلّ-: (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَىٰ لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ..)،[٣] حيث أمر الله -سبحانه- بالجماعة في حال الخوف؛ فصلاتها في حال الأمن أوْلى وأوْجب.


  • الرأي الثالث: صلاة الجماعة فرض على الكفاية

واستدلّ القائلون بأنّ صلاة الجماعة فرض على الكفاية بما صحّ عن أبي الدّرداء -رضي الله عنه- أنّه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما مِن ثلاثةٍ في قريةٍ ولا بدوٍ لا تُقامُ فيهم الصَّلاةُ إلَّا استحوذ عليهم الشَّيطانُ؛ فعليك بالجماعةِ؛ فإنَّما يأكُلُ الذِّئبُ القاصيةَ)،[٤] وفصّل بعض أهل العلم؛ فقالوا: صلاة الجماعة فرض كفاية في كلّ بلد، ولكنّها سنّة في كلّ مسجد.


وينبغي التّنبيه إلى أنّ أهل العلم وإنْ تعدّدت آرائهم في المسألة إلا أنّهم متّفقون على حرمة امتناع أهل بلد عن إقامة صلاة الجماعة، وإنْ فعلوا ذلك وتمالؤا عليه قوتلوا؛ لأنَّ الاجتماع للصلاة من شعائرِ الإسلام التي يظهر بها عزّة المسلمين ووحدتهم وتآلفهم، وفي الاجتماع على ترْكها إماتة لهذه المعاني العظيمة والمقاصد السّامية.[٥]


أهمية صلاة الجماعة

الأصل بالمسلم أنْ يرقى في علاقته مع ربّه -سبحانه- إلى مدارج الكمال، والتّوفيق إلى الصلاة في الجماعة وفي بيوت الله تعالى نعمةٌ عظيمةٌ ومنحةٌ إلهيةٌ كريمة؛ فحريّ بالمسلم أنْ يسعى لها ويوطنّ نفسه عليها، ولا يتخلّف عنها إلا مضطّراً، وقد كان هذا دأب أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهم خير القرون الذين اصطفاهم الله -تعالى- بصحبة نبيّه الكريم.


يقول عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: (مَن سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا، فَلْيُحَافِظْ علَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بهِنَّ، فإنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ سُنَنَ الهُدَى، وإنَّهُنَّ مَن سُنَنَ الهُدَى، ولو أنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ في بُيُوتِكُمْ كما يُصَلِّي هذا المُتَخَلِّفُ في بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، ولو تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَما مِن رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إلى مَسْجِدٍ مِن هذِه المَسَاجِدِ، إلَّا كَتَبَ اللَّهُ له بكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عنْه بهَا سَيِّئَةً، وَلقَدْ رَأَيْتُنَا وَما يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلقَدْ كانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى به يُهَادَى بيْنَ الرَّجُلَيْنِ حتَّى يُقَامَ في الصَّفِّ).[٦]



مواضيع أخرى:

صلاة الجماعة

عدد الأشخاص في صلاة الجماعة

المراجع

  1. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 166، جزء 27. بتصرّف.
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:645 ، صحيح.
  3. سورة النساء، آية:102
  4. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن أبي الدرداء، الصفحة أو الرقم:2101 ، أخرجه في صحيحه.
  5. فريق الموقع، "حُكمُ المُمتنِعينَ عن إظهارِ صلاةِ الجَماعَةِ"، الدرر السّنية، اطّلع عليه بتاريخ 14/1/2023. بتصرّف.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:654 ، صحيح.