ما هي صلاة أهل الأعذار؟

يُقصد بأهل الأعذار المرضى والمسافرين والخائفين؛ ونحوهم ممّن لا يستطيع أداء الصلاة على هيئتها وصفتها المعروفة؛ وهذا من رحمة الله -تعالى- بهم، وتيسيره عليهم، والتخفيف ورفع الحرج عنهم، وعدم حرمانهم من الأجر والثواب في أداء العبادة؛ فأمرهم الله -سبحانه- بأن يُصلّوا حسب استطاعتهم وقدرتهم، دون أن ينقص ذلك من أجورهم شيئاً.[١]


وتختلف هيئة الصلاة وعدد ركعاتها ووقتها باختلاف العذر -كما سيأتي بيانه-، وهذا مأخوذ من قوله -تعالى-: (... يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ...)،[٢] وقوله -تعالى-: (... وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ...)،[٣] وقوله -صلى الله عليه وسلم-: (... وإذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ).[٤][٥]


وقد بيّن الفقهاء لكل أهل عذر الطريقة التي يستطيعون أداء الصلاة فيها؛ فمنهم من أُفردت لهم أحكاماً خاصّة بهم، ومنهم من أُلحقوا بعذر المرض؛ فكانت أحكام الصلاة عندهم كصلاة المرضى، وفيما يأتي تلخيص لأهم الأحكام التي تتعلق بكل أهل عذر:


صلاة المريض

اتفق الفقهاء على أنّ المسلم يجوز له الصلاة قاعداً مع القدرة على القيام في صلاة التطوّع؛ وإن كان القيام أفضل وأكمل لمن قدر عليه، أمّا صلاة الفريضة، فيختلف حكم الجلوس فيها بحسب نوع المرض وتأثيره على الأقوال والأفعال داخل الصلاة، كما اتفقوا على أنّ المريض الذي لا يُطيق القيام ولا يقوى عليه، جاز له الصلاة جالساً.[٦]


وضابط المرض الذي يعتبر عذراً في الصلاة؛ أن يتعذر على المريض القيام كلّه في الصلاة، أو في أكثره؛ خوفاً من زيادة ألم، أو تأخر الشفاء، وفي هذه الحالة يجوز للمريض أن يركع ويسجد قاعداً، ويومئ بهما إيماءً، ويتعيّن الألم الشديد بتقدير الطبيب المسلم، أو بتجربة سابقة لهذا المريض، أو غلبة الظنّ بلحوق الضرر ونحو ذلك؛ ويجوز لمن لم يستطع الجلوس أثناء الصلاة أن يُصلي على جنبه.[٦]


ودليل ذلك ما ثبت في حديث عمران بن حصين -رضي الله عنه- أنّه قال: (كَانَتْ بي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- عَنِ الصَّلَاةِ، فَقالَ: صَلِّ قَائِمًا، فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فإنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ).[٧][٦]


صلاة المسافر

يُطلق لفظ المسافر على من فارق محل إقامته؛ وللسفر في الإسلام ثلاثة أنواع؛ وهي: سفر الطاعة الذي يكون لأجل أداء عبادة أو صلة رحم أو بنية نيل الأجر والثواب، وسفر المعصية الذي يكون من أجل نيل أو ارتكاب الأمور المُحرّمة؛ أما النوع الثالث فهو السفر المباح الذي يكون في حدود الأمور المباحة في الشريعة الإسلاميّة؛ وقد بيّن الفقهاء أحكام السفر، وأثره على الصلاة بالأمور الآتية:[٨]

  • كل من سافر مسيرة يومين كاملين فأكثر؛ أيّ ما يعادل ثمانين كيلو متر تعلقت به أحكام السفر -وهو قول الجمهور-؛[٩] من قصر الصلاة وجمعها، أو مسح على الخفين عند الوضوء؛ سواء أكان سفر طاعة أو معصية أو سفراً مباحاً.
  • يُسمى الإنسان مسافراً إذا فارق محل إقامته، ولم ينوِ السكن والمكوث في المحل الذي انتقل إليه.
  • تُقصر الصلاة في السفر؛ بأن تُؤدى الصلوات الرباعيّة ركعتين؛ وهي صلاة الظهر، والعصر، والعشاء.
  • إنّ القصر في الصلاة سنّة نبويّة، وتيسير من الله -تعالى-، وصدقة تصدّق بها على عباده؛ فإن أتمّ المسلم الصلاة فصلاته صحيحة، إلا أنّه خلاف الأولى.
  • العبرة في القصر بالمكان لا بالزمان؛ فالصلاة التي يشهدها الإنسان في الحضر يتمّها، ولو نسيها حتى سافر؛ فإنّه يقصرها، كما أنّ الصلاة التي شهدها في السفر، لكنّه لم يصلها إلى أنّ أقام؛ فإنّه يُتمّها.
  • تُجمع الصلوات في السفر بأن يتمّ أداء صلاة قد دخل وقتها مع أخرى خرج وقتها، سواء أكان جمع تقديم أو تأخير.
  • تُجمع صلاتي الظهر والعصر معاً، وصلاة المغرب والعشاء معاً؛ سواء تقديم أو تأخير.
  • السنّة أن يقصر الإنسان في السفر، ويجمع بين الصلوات؛ اقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وتيسيراً على النفس من المشقة.


صلاة الخائف

شرع الله- -سبحانه- صلاة الخوف على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبيّن كيفيتها في كتابه العزيز؛ فقال -سبحانه-: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً ۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ ۖ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا).[١٠][١١]


أمّا عن الخوف الذي تُشرع فيه صلاة الخوف: الخوف من العدو سواء أكان بشراً أو حيواناً متوحشاً، أو نحوهما مما يجعل الإنسان في حالة من الهلع، والخوف من الضرر المترتب على نفسه، ولصلاة الخوف كيفيّات متعددة تُراجع في موضعها للاستزادة والاطلاع عليها.[١١]

المراجع

  1. محمد بن إبراهيم التويجري، موسوعة الفقه الإسلامي، صفحة 527، جزء 2. بتصرّف.
  2. سورة البقرة، آية:185
  3. سورة الحج، آية:78
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:7288، صحيح.
  5. عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 396، جزء 1. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ت مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 259-260، جزء 27. بتصرّف.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمران بن حصين، الصفحة أو الرقم:1117، صحيح.
  8. محمد بن إبراهيم التويجري، موسوعة الفقه الإسلامي، صفحة 531-536، جزء 2. بتصرّف.
  9. عبد الله الطيار، وبل الغمامة في شرح عمدة الفقه لابن قدامة، صفحة 392، جزء 1. بتصرّف.
  10. سورة النساء، آية:102
  11. ^ أ ب عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 400-403، جزء 1. بتصرّف.