وقفات مع آية: "فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون"

قال ابن عباس -رضي الله-عنهما إنَّ قول الله -تعالى-: (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ*الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ*الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ*وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ)،[١] نزلت في المنافقين الذين كان الرياءُ في الصلاة ديدنهم وقتَ حضورهم، وإذا تخلّفوا عنها تركوها، وكانوا كذلك لا يُعيرون المؤمنين أيّ شيءٍ، فهؤلاء المنافقون الذي يؤدون الصلاة أحياناً تظاهراً ورياءً، والذين هم في الحقيقة غافلون عنها، غير مبالين بها، لا يرجون بصلاتهم ثواباً إن صلّوا، ولا يخافون عليها عقاباً إن تركوها، وهم غافلون عنها حتى يذهب وقتها، ولذلك فلهم الخزي والعذاب، وقد ذكرت الآية أنّهم عن صلاتهم ساهون وليس في صلاتهم ساهون، لأنَّ المُصلي بطبيعة حاله قد يسهو في صلاته وهذا أمرٌ مغتفرٌ فهو خارجٌ عن إرادته، أمَّا المنافقون فإنّهم يتعمّدون ترك الصلاة والغفلة والسهو عنها، فلذلك هم واقعون في دائرة العذاب، وقد روى عبد الله بن عمرو عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنَّه قال في حال المرائين: (من سمَّع الناسَ بعملِه؛ سمَّع اللهُ به أسامعَ خلقِه، وحقّرِه، وصغّرِه)،[٢] وقد ذكر الإمام الزمخشري أنَّ المراءاة عمليةٌ تبادليّةٌ فيها مفاعلةٌ بين المرائي وبين الناس؛ فهو يُري الناس عمله، وهم يطلقون له المدائح والثناء.[٣]


العلاقة بين المكذّب بالدين والساهي عن الصلاة

سُبقت الآيات القرآنية سابقة الذِّكر بقول الله -تعالى-: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ*فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ*وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ*فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ...)،[٤] فقد ذكرت الآيات حال المكذّب بالدِّين، وبيّنت أنّه يتصف بصفات سيئةٍ لا يتّصف المؤمن الحقيقي بها، بل يجتنبها وينأى بنفسه عنها، والعلاقة بين المكذّب بالدِّين والساهي عن صلاته أو الذي أقام صلاته على النفاق والمراءاة أنّّه لم يؤدِّ صلاته بالكيفية الصحيحة التي أمر بها الله -سبحانه- بحيث تمنع صاحبها من الفحشاء والمنكر، قال -سبحانه-: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ)،[٥] فذلك المُصلّي لا يُستبعد منه أن يأكل مال اليتيم ويهضم حقوقه، أو أن يمنع المسكين الطعام، فصلاته بالأساس ليست متينةً ولم تشكّل له درعاً يحميه من الفواحش والمنكرات.[٦]


تأخير الصلاة عن وقتها

بيّن الله -عزّ وجلّ- أهمية الصلاة في أكثرَ من موضعٍ من كتابه العزيز، وأكّدَ على ضرورة أدائها في وقتها وعدم التهاون فيها، فقال -سبحانه وتعالى-: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا)،[٧] فالصلاة في وقتها من أفضل الأعمال كما أخبر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- حينما سُئل: (أيُّ العمَلِ أحبُّ إلى اللَّهِ تَعالى؟ فقال: الصَّلاةُ علَى وقتِها)،[٨] فعلى المؤمن أن يحرص على أداء الصلاة على وقتها ليشمله مدحُ الله -سبحانه وتعالى- وعفوه ورضاه، قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ*أُولَـئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ).[٩][١٠]


السهو في الصلاة

السهو في الصلاة طبيعةٌ بشريّةٌ لا تنفك عنه، ويُمكن للمصلّي التغلّب عليها بأن يستعين بالله ويأخذ بأسباب حضور القلب في الصلاة وعدم الانشغال بغيرها، والتعوّذ من الشيطان، وكُل ذلك بحاجةٍ لإخلاص النية والصدق مع الله، ليسهّل الله -عزّ وجلّ- للمصلّي الاستحضار الكامل والقلب الخاشع، وقد قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-لعُثمان بن أبي العاص حينما أتاه يشكو له الشيطان الذي يحول دونه ودونَ الخشوع: (ذَاكَ شيطَانٌ يُقَالُ له خَنْزَبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ باللَّهِ منه، وَاتْفِلْ علَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا قالَ: فَفَعَلْتُ ذلكَ فأذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي).[١١][١٢]

المراجع

  1. سورة الماعون، آية:4-7
  2. رواه الألباني، في تخريج مشكاة المصابيح، عن عبدالله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:5249، صحيح.
  3. وهبة الزحيلي، التفسير المنير للزحيلي، صفحة 423-424. بتصرّف.
  4. سورة الماعون، آية:1-4
  5. سورة العنكبوت، آية:45
  6. أ.د خالد السبت (3/5/2010)، "وقفات مع قوله تعالى: (فويل للمصلين)"، موقع فضيلة الشيخ أ.د خالد السبت، اطّلع عليه بتاريخ 8/10/2021. بتصرّف.
  7. سورة النساء، آية:103
  8. رواه الألباني، في صحيح النسائي، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:609، صحيح.
  9. سورة المعارج، آية:34-35
  10. كمال ابن السيد سالم، كتاب صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، صفحة 251-252. بتصرّف.
  11. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي العلاء البياضي، الصفحة أو الرقم:2203، صحيح.
  12. مجموعة من المؤلفين، كتاب فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 7572. بتصرّف.