تُطلق الطهارة على النزاهة من الأوساخ والأقذار والنجاسات وما يقوم في الجسد ويمنع من صحّة الصلاة، وللطهارة مكانةٌ خاصةٌ في الإسلام؛ فقد صرّح الله -عزّ وجلّ- بمحبّته للمتطهّرين قائلاً: "إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ"،[١] كما ثبت عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: "الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ".[٢][٣]
تعريف الطهارة
تُعرّف الطهارة في اللغة والاصطلاح الشرعيّ بما يأتي:[٤]
- الطهارة في اللغة: الحُسن والنظافة والنزاهة.
- الطهارة في الشرع: عُرّف العلماء الطهارة بعدّة تعريفاتٍ في كلّ مذهبٍ من المذاهب الفقهية الأربعة، وبيان تعريفها في كلّ مذهبٍ آتياً:
- تعريف الحنفية: نظافة الموضع من النجاسة بكلّ أنواعها، سواءً تعلّقت بالصلاة؛ كطهارة الجسد والمكان والثوب، أو تعلّقت بغيرها؛ كطهارة الأطعمة والأواني.
- تعريف المالكية: يُراد بالطهارة أمرين:
- الأول: الصفة المتحقّقة في الشيء بحيث تجعل الصلاة تصحّ به أو فيه.
- الثاني: رفع الحدث (وهو: الوصف المتحقّق في الجسد المانع من الصلاة وغيرها ممّا تُشترط له الطهارة)[٥] وإزالة النجاسة.
- تعريف الشافعية والحنابلة: عرّفوا الطهارة بأنّها: رفع الحدث (وهو: الوصف المتحقّق في الجسد المانع من الصلاة وغيرها ممّا تُشترط له الطهارة)[٥] وإزالة الخبث (وهو: النجاسة المتحقّقة في الجسد بسبب البول أو الغائط أو الدم وغير ذلك).[٦]
أنواع الطهارة
تتفرّع الطهارة إلى نوعَين بيانهما آتياً:[٧]
- الطهارة الحُكميّة: وهي الطهارة من الحدَثَين؛ الأكبر والأصغر، فالأكبر يكون من الجنابة (ويُراد بها الجِماع والوطء بين الزوجين، أو الماء الخارج بسبب الشهوة واللذّة)[٨] والحيض والنفاس، أمّا الأصغر فيكون من البول والغائط والرِّيح وما في حكمها.
- الطهارة الحقيقية: وهي الطهارة من النجاسة المتحقّقة في الشخص أو المكان أو الثياب.
مشروعيّة الطهارة
ثبتت مشروعيّة الطهارة في القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع العلماء، بيان ذلك آتياً:[٧]
- قال الله -تعالى-: "ا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ".[٩]
- أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: "لا تُقْبَلُ صَلاةٌ بغيرِ طُهُورٍ".[١٠]
- أجمع العلماء على أنّ الصلام لا تصحّ دون طهارةٍ.
شروط الطهارة
يُشترط لوجوب الطهارة عشرة أمورٍ بيانها آتياً:[١١]
- الإسلام: فالطهارة واجبةٌ على كلّ مسلمٍ ومسلمةٍ.
- العقل: أي أنّ الطهارة غير واجبةٍ على المجنون والمغمى عليه، بخلاف السكران؛ إذ تجب الطهارة عليه ولا تسقط عنه بأي حالٍ.
- البلوغ: أي أنّ الطهارة لا تجب على الصبي وإنّما يؤمر بها إن بلغ سبع سنواتٍ من عمره.
- الطهارة من الحيض والنفاس.
- دخول الوقت.
- عدم النوم.
- عدم النسيان.
- الاختيار: أي أنّ المُكره لا تجب عليه الطهارة.
- وجود الماء أو التراب الطاهرين.
- القدرة: أي القدرة على الطهارة قدر الإمكان والاستطاعة.
ما تتحقّق به الطهارة
تتحقّق الطهارة بالماء الطهور، أي الماء غير المتغيّر الباقي على صفته الأصلية، فهو الماء الطاهر في ذاته والمطهّر لغيره، ومنه: الماء النازل من السماء؛ كالثلج والمطر والبَرَد، إضافةً إلى الماء الجاري في الأرض؛ كماء الأنهار والآبار والعيون والبحار، وبناءً على ما سبق فلا تصحّ الطهارة بغير الماء؛ كالخل، أو العصير، أو البنزين، أو الليمون، وغير ذلك، وتتعلّق بالمء عدّة مسائل وأحكامٍ بيانها آتياً:[١٢]
- حكم الطهارة بالماء المختلط بنجاسةٍ: أجمع العلماء على عدم صحّة الطهارة بالماء الطاهر الذي خالطته نجاسةٌ ما غيّرت إحدى صفاته؛ كتغيير لونه، أو طعمه، أو رائحته، أمّا إن لم تتغيّر إحدى صفات الماء فله حالتان؛ الأولى: طهارته إن كان كثيراً، والثانية: عدم طهارته إن كان قليلاً.
- حكم الطهارة بالماء المختلط بطهارةٍ: تصحّ الطهارة بالماء المختلط بمادةٍ طاهرةٍ؛ كورق الشجر، أو الصابون، ويُشترط عدم غلبة المادة على الماء.
- حكم الطهارة بماءٍ مستعملٍ بالطهارة من قبلٍ: كماء الوضوء بعد إتماته وماء الغسل، ويُحكم بطهارته وتطهيره لغيره ما تتغيّر أحد أوصافه من اللون والطعم والرائحة، استدلالاً بما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم -رضي الله عنهما- أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- كان: "إذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ علَى وضُوئِهِ".[١٣]
- حكم طهارة الماء الباقي في الإناء بعد الشُرب منه: فيُحكم على طهارة وصحة التطهّر بالماء الباقي في الإناء بعد شُرب الإنسان منه، استدلالاً بما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: "إنَّ المُؤْمِنَ لا يَنْجُسُ"،[١٤] أمّا الماء الباقي بعد شُرب الحيوانات فطاهرٌ إن كان الحيوان يُؤكل لحمه بإجماع العلماء، وكذلك إن كان الحيوان غير مأكول اللحم إن كان الماء كثيراً، أمّا إن كان الماء قليلاً وتغيّرت صفاته فلا يعدّ طاهراً، أما إن كان الماء باقياً عن الكلب والخنزير فلا يعدّ طاهراً أيضاً.
كيفية الطهارة
كيفية الوضوء
يؤدّى الوضوء بالخطوات الآتية:[١٥]
- عقد النيّة في القلب على الوضوء.
- غسل الكفّين ثلاث مراتٍ.
- مضمضة الفم بالماء ثلاث مراتٍ بتحريك الماء في الفم ثمّ بصقه.
- الاستنشاق ثلاث مراتٍ، بإدخال الماء في الأنف ثمّ إخراجه منه.
- غسل الوجه من مقدّمة الرأس إلى أسفل الذقن ومن الأُذن إلى الأُذن ثلاث مراتٍ.
- غسل اليد اليُمنى من أطرف الأصابع إلى المرفق ثلاث مراتٍ.
- غسل الي اليُسرى كاليمنى.
- ترطيب الكفّين بالماء ثمّ مسح الرأس بهما من مقدّمته إلى آخره.
- غسل القدم اليُمنى من أطراف الأصابع إلى الكعب ثلاث مراتٍ.
- غسل القدم اليُسرى كاليُمنى.
كيفية الغُسل
يؤدّى الغُسل بالخطوات الآتية:[١٦]
- عقد النية في القلب على الغُسل.
- غسل اليدين ثلاث مراتٍ.
- غسل العورة وتطهيرها تماماً.
- الوضوء وضوءاً كاملاً.
- غسل الرأس مع الشعر ثلاث مراتٍ مع الحرص على إيصال الماء إلى أصول الشعر.
- غسل كامل الجسد بدءاً بالجهة اليُمنى منه ثمّ اليُسرى.
كيفية التيمم
يؤدّى التيمم بالصفة الثابتة عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- بما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عن عمار بن ياسر -رضي الله عنه- أنّ النبيّ قال: "إنَّما كانَ يَكْفِيكَ أنْ تَصْنَعَ هَكَذَا، فَضَرَبَ بكَفِّهِ ضَرْبَةً علَى الأرْضِ، ثُمَّ نَفَضَهَا، ثُمَّ مَسَحَ بهِما ظَهْرَ كَفِّهِ بشِمَالِهِ أوْ ظَهْرَ شِمَالِهِ بكَفِّهِ، ثُمَّ مَسَحَ بهِما وجْهَهُ"، أي أنّ التيمم يكون بالخطوات الآتية:[١٧]
- التسمية.
- ضرب الكفّين بالأرض مرةً واحدةً دون ضمّهما.
- مسح الوجه بالكفيّن.
- مسح الكفّ اليُمنى باليُسرى واليُسرى باليُمنى.
أهميّة الطهارة
اعتنى الإسلام بالطهارة والنظافة أشدّ اعتناءٍ لأهميتها وفضلها العظيم كما هو مبيّن فيما يأتي:[١٨]
- نيل محبّة الله -تعالى- والقُرب منه، يدل على ذلك قوله -عزّ وجلّ-: "إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ".[١٩]
- تكفير الذنوب والخطايا ونيل الأُجور العظيمة المُضاعفة، يدلّ على ذلك ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- قال: "إِذَا تَوَضَّأَ العَبْدُ المُسْلِمُ، أَوِ المُؤْمِنُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ خَرَجَ مِن وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بعَيْنَيْهِ مع المَاءِ، أَوْ مع آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ خَرَجَ مِن يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مع المَاءِ، أَوْ مع آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مع المَاءِ، أَوْ مع آخِرِ قَطْرِ المَاءِ، حتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ".[٢٠]
المراجع
- ↑ سورة البقرة، آية:222
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي مالك الأشعري، الصفحة أو الرقم:223، صحيح.
- ↑ "أهمية الطهارة في الإسلام"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 2020-12-06. بتصرّف.
- ↑ دبيان الدبيان، موسوعة أحكام الطهارة، صفحة 37-41. بتصرّف.
- ^ أ ب "تعريف الطهارة"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 2020-12-06. بتصرّف.
- ↑ فقهية#:~:text=تعريف و معنى الخبث في قاموس مصطلحات فقهية.&text=إحدى النجا...-,لغة هو النجس، والجمع أخباث، واصطلاحا هو النجاسة المادية الطارئة,والأخبثان: البول والغائط. "تعريف ومعنى الخبث في معجم المعاني الجامع"، معجم المعاني الجامع، اطّلع عليه بتاريخ 2020-12-06. بتصرّف.
- ^ أ ب عَبدالله بن محمد الطيّار، عبدالله بن محمّد المطلق، محمَّد بن إبراهيم الموسَى، الفقه الميسر، صفحة 16-20. بتصرّف.
- ↑ محمد صالح المنجد (2011-07-01)، "ما هي الجنابة التي توجب الغسل؟"، إسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 2020-12-06. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية:6
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن عمر، الصفحة أو الرقم:224، صحيح.
- ↑ وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 240-242. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الفقه الميسر في ضوء الكتاب والسنة، صفحة 2-5. بتصرّف.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم، الصفحة أو الرقم:2731، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:285، صحيح.
- ↑ محمد التويجري، موسوعة الفقه الإسلامي، صفحة 342. بتصرّف.
- ↑ محمد التويجري، موسوعة الفقه الإسلامي، صفحة 359. بتصرّف.
- ↑ عَبد الله بن محمد الطيّار، عبد الله بن محمّد المطلق، محمَّد بن إبراهيم الموسَى، الفقه الميسر، صفحة 138-139. بتصرّف.
- ↑ محمد الندوي (2015-01-07)، "العناية بالطهارة والنظافة في الإسلام"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 2020-12-06. بتصرّف.
- ↑ سورة البقرة، آية:222
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:244، صحيح.