حكم الصلاة على المنتحر

القول بالجواز

جمهور أهل العلم على جواز الصلاة على المنتحر، وأجازه الحنابلة للمسلمين دون الحاكم، وفيما يأتي تفصيل المسألة:[١]

ذهب جمهور الفقهاء من الحنفيّة والمالكيّة والشافعيّة؛ إلى أنّ جواز صلاة الجنازة على المنتحر؛ لأنّه لا يُعدُّ خارجاً عن الإسلام بسبب قتله نفسه، واستدلوا على ذلك بما جاء في الحديث الضعيف؛ عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (صلُّوا على منْ قال لا إلهَ إلا اللهُ ...)،[٢] وعلل المالكيّة جواز الصلاة على المنتحر بجواز تغسيله؛ فالغسل والصلاة متلازمان عند المالكيّة؛ فكل من وجب غسله، وجبت الصلاة عليه.


وذهب الحنابلة إلى أنّ الإمام -الحاكم- لا يُصلي على المنتحر القاتل نفسه عمداً، بينما يُصلي عليه سائر الناس؛ استناداً إلى حديث جابر بن سمرة -رضي الله عنه- أنّه قال: (أُتِيَ النبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ- برَجُلٍ قَتَلَ نَفْسَهُ بمَشَاقِصَ، فَلَمْ يُصَلِّ عليه).[٣]


وفي رواية أخرى أنّ رجلاً انطلق إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يُخبره عن رجلٍ آخر قتل نفسه؛ فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: (... وما يُدريكَ؟ قال: رَأيتُه يَنحَرُ نَفْسَه بمَشاقِصَ معه، قال: أنتَ رَأيتَه؟ قال: نَعَمْ، قال: إذَنْ لا أُصلِّي عليه).[٤]


وبناء على ذلك رأى الحنابلة أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يُصلّ على هذا المنتحر؛ لأنّه كان الإمام في ذلك الوقت، فأُلحق به -صلى الله عليه وسلم- سائر الأئمة؛ أمّا دليلهم في جواز صلاة سائر الناس على المنتحر؛ أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- مع امتناعه بالصلاة على قاتل نفسه، لم يمنع غيره من فعل ذلك، ولم ينه عنه.


القول بعدم الجواز

خالف بعض أهل العلم القول بجواز الصلاة على المنتحر، فذهب الأوزاعي، وأبو يوسف من الحنفيّة، وهو أيضاً قول عمر بن عبد العزيز؛ إلى أنّ قاتل نفسه لا يُصلى عليه؛ وعلّلوا ذلك بأنّ المنتحر لا توبة له؛ فلا صلاة عليه، واستدلوا بما ثبت من حديث جابر بن سمرة -رضي الله عنه-.[١]


إيمان وكفر المنتحر

ذهب أهل العلم إلى القول بأنّ المنتحر لا يكفر، ولا يخرج من ملّة الإسلام إلا إذا استحلّ قتل نفسه؛ وهو مرتكب لكبيرة من الكبائر، ومستحقٌ للوعيد الشديد من الله -تعالى- يوم القيامة، ولكنّه مع هذه المعصية العظيمة أمره ومرده إلى الله -تعالى-، ولا يُؤاخذ بذلك إنْ كان مريضاً بعقله، أو غير متحكّم بنفسه؛ إلا أنّهم أوجبوا على وليّه ملاحظته، ومنعه من فعل مثل هذه الأمور.[٥]


وفي الحقيقة؛ لم ينصّ أحدٌ من علماء المذاهب الأربعة، على كفر المنتحر؛ لأنّ الكفر هو الإنكار والخروج من الدين، وصاحب الكبيرة -غير الشرك- لا يخرج من الملّة عند أهل السنة والجماعة، ويُغّسل ويُكفّن، ويُصلّى عليه كما أشرنا، وأمّا عن تخليده في النار فهو مرتبطٌ باستحلاله قتل نفسه، أو باستعجاله الموت مع الاستحلال؛ فهذا يُخلّد، لأنّه كافر باستحلاله الكبيرة.[٦]

المراجع

  1. ^ أ ب موسوعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 294، جزء 6. بتصرّف.
  2. رواه الطبراني، في المعجم الأوسط، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:447، ضعفه السيوطي وجمع من أهل العلم.
  3. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن سمرة، الصفحة أو الرقم:978، صحيح.
  4. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن جابر بن سمرة، الصفحة أو الرقم:3185، صححه الألباني.
  5. عبد العزيز بن عبد الله الراجحي، فتاوى منوعة، صفحة 46، جزء 14. بتصرّف.
  6. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 291-292، جزء 6.