الغسل من الاحتلام
أجمع العلماء على وجوب الغسل عند نزول المني في المنام بشهوة؛ سواء باليقظة، أو في المنام؛ أيّ بالاحتلام، ولم يشترط بعضهم لوجوب الغُسل نزول المني بشهوة، بل متى ما وقع البلل وجب الغسل، وهو قول الإمام الشافعيّ، والإمام ابن حزم، والأصحّ عند الجمهور أنّ الغُسل يجب عند نزول المنيّ بشهوة فقط، فإذا وقع بسبب البرد، أو مرض أو نحو ذلك؛ لم يجب الغسل.[١]
ويُشترط وجوب الغسل -عند نزول المنيّ- بحقّ الرجل والمرأة أيضاً، وذلك استدلالاً -لكل ما سبق- بالأدلة الآتية:[١]
- قوله -تعالى-: (... وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا...).[٢]
- قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا...).[٣]
- قوله -صلى الله عليه وسلم-: (... إنَّما المَاءُ مِنَ المَاءِ)؛[٤] أيّ أنّ الاغتسال بالماء يكون عند إنزال الماء؛ وهو المنيّ.
- قوله -صلى الله عليه وسلم- لعليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه-: (... فإذا فَضَخْتَ الماءَ فاغتسِلْ)؛[٥] أيّ إذ تدفق خروج الماء -وهو المنيّ-؛ وجب الغسل.
- ما ثبت في الصحيح عن أم المؤمنين أم سلمة -رضي الله عنها-، أنّ امرأةً سألت النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: (يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الحَقِّ، فَهلْ علَى المَرْأَةِ مِن غُسْلٍ إذَا احْتَلَمَتْ؟ قَالَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: إذَا رَأَتِ المَاءَ...).[٦]
كيفيّة الاغتسال من الاحتلام
بيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- طريقة الغسل من الجنابة؛ فقد ثبت عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كانَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- إذَا اغْتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ، غَسَلَ يَدَيْهِ، وتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ، ثُمَّ يُخَلِّلُ بيَدِهِ شَعَرَهُ، حتَّى إذَا ظَنَّ أنَّه قدْ أرْوَى بَشَرَتَهُ، أفَاضَ عليه المَاءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ)؛[٧] وهذا الحديث يُوضح صفة الاغتسال للجنابة، فيكون حاصل الاغتسال الكامل بتتبع الأمور الآتية:[٨]
- عقد النيّة للاغتسال؛ برفع الحدث، وتحديد نوع الغسل: من حيض، أو جنابة، أو نحو ذلك.
- التسمية.
- غسل اليدين ثلاثاً، وغسل الفرج.
- الوضوء الكامل، كالوضوء للصلاة.
- صبّ الماء على الرأس ثلاثاً، مع التأكد من وصوله إلى أصول الشعر.
- البدء بغسل الشق الأيمن، ثم الشق الأيسر، مع التأكد من وصول الماء إلى جميع أجزاء الجسم.
- استحباب استعمال شيء من المنظفات -كالصابون ونحوه-؛ لزيادة التنظّف.
كما يجوز الاقتصار على صفة الغسل المجزئة؛ والتي تكون بعقد النيّة، ثم تعميم الماء على جميع البدن مرة واحدة؛ بحيث يتأكد المُغتسل من وصول الماء إلى جميع أجزائه، وأصول منابت شعر الرأس. ومن قام بالغسل على أحد هاتين الصفتين؛ صحّ غسله، وارتفع الحدث عنه.[٨]
بعض الأحكام المتعلقة بالاحتلام
نبّه أهل العلم في العديد من المؤلفات والمصنفات إلى بعض الأحكام المتعلّقة بالاحتلام، وما يتّصل به من الأحوال، ونذكر منها -على سبيل التنبيه والذكر لا الحصر- ما يأتي:[٩]
- من احتلم، ولكنه لم يجد منيّاً فلا يلزمه الغُسل؛ فالاحتلام بلا إنزال لا أثر له على الطهارة، أمّا إن وُجد البلل -المنيّ- دون تذكر الاحتلام؛ فيجب الغسل؛ بدلالة ما صحّ عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، أنّها قالت: (سُئلَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ- عنِ الرَّجلِ يجدُ البللَ، ولا يذكرُ احتلامًا؛ قالَ: يغتسلُ، وسُئل عن الرَّجلِ يرَى أنَّهُ قدِ احتلمَ ولا يجدُ البللَ؛ قالَ: لا غُسلَ عليهِ...).[١٠]
- من استيقظ ووجد في ثوبه بللاً؛ وشكّ في كونه منياً أو غيره، بأن استوى عنده الأمر، فلم يقدر على الترجيح؛ فيلزمه من ذلك الغسل على رأي الجمهور؛ من الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة، ورأى الشافعية في أحد أقوالهم عدم وجوب الغسل، وإن كان الأولى إزالة الشكّ بالاغتسال.
- اتّفق أهل العلم أنّ الاحتلام لا يفسد به الصوم.
- لا أثر للاحتلام على الحجّ، ولا يبطل به، ولا يوجب بحقّه جبر أو فديّة؛ باتفاق أهل العلم.
المراجع
- ^ أ ب كمال ابن السيد سالم، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، صفحة 162-163، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية:6
- ↑ سورة النساء، آية:43
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:343، صحيح.
- ↑ رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن علي بن أبي طالب، الصفحة أو الرقم:206، صححه النووي.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أم المؤمنين أم سلمة، الصفحة أو الرقم:130، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:272، صحيح.
- ^ أ ب سماحة المفتي الدكتور عبد الكريم الخصاونة (21/4/2010)، "كيفية غُسل النبي صلى الله عليه وسلم"، دائرة الإفتاء الأردنية، اطّلع عليه بتاريخ 15/6/2023. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 96-98، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:236، سكت عنه فهو صالح وقال الألباني حسن.