شُرِعت الاستخارة قبل الزواج وإتمام العقد بالتوجُّه إلى الله -سبحانه وتعالى-؛ استعانةً به، ووتفويضاً له؛ نظراً لكون الزواج من أهمّ القرارات المصيريّة التي يحتاج إليها الإنسان في حياته، والتي تحتاج إلى هدوء وتفكير سليم واستشارة؛ بهدف تيسيره إن كان فيه خير ونفع له في الدُّنيا والآخرة، وتجدر الإشارة إلى أنّ النبيّ –عليه الصلاة والسلام- سَنَّ صلاة الاستخارة في الأمور التي لا يدري العبد وجه الصواب فيها، ومنها الزواج؛ تسليماً وخضوعاً لأمر الله -تعالى-، وإرادته.[١]


استخارة الزواج

علّم النبيّ –عليه الصلاة والسلام- أصحابه –رضي الله عنهم- الاستخارة في الأمور كلّها؛ إذ إنّها تشتمل على مَعانٍ عظيمةٍ؛ كإظهار العبودية والخضوع والانكسار للّه -عزّ وجلّ-، وتعلُّق القلب به وحده في كلّ الأحوال والظروف،[٢]ومنها استخارة الزواج التي تُعرَّف بأنّها: طلب الخير والبِرّ وإتمام أمر الزواج إن أراده الله -عزّ وجلّ- بالصلاة أو الدعاء؛ كي يَحلّ لطرفَي العقد؛ وهما: الزوج، والزوجة أن يستمتع أحدهما بالآخر؛ بهدف تكوين أُسرةٍ صالحةٍ، وبالتالي تكوين مجتمعٍ سليمٍ.[٣][٤]


حكم الاستخارة للزواج

أجمع العلماء على أنّ الاستخارة سُنّةٌ من السُّنَن الثابتة عن النبيّ –عليه الصلاة والسلام-؛ إذ ثبت في صحيح البخاري عن جابر بن عبدالله –رضي الله عنه- أنّه قال: "كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ في الأُمُورِ كُلِّهَا، كما يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ...".[٥][٣]


الحكمة من مشروعية الاستخارة

شُرِعت الاستخارة؛ تسليماً وخضوعاً لأمر الله –سُبحانه وتعالى-، وخروجاً من إرادة النفس إلى إرادته –تعالى-، واللجوء إليه وحده دون سواه؛ جَمعاً ونَيلاً لخيرَي الدُّنيا والآخرة، ويتحقّق ذلك بالخضوع له –عز وجلّ- بالصلاة والدعاء؛ لِما فيهما من تعظيم له -سبحانه-، والثناء عليه.[٣]


وقت الاستخارة للزواج

تُؤدّى صلاة الاستخارة في أيّ وقت من اليوم ولا يُفضّل أحد الأوقات على الآخر، إلّا أنّه ينبغي تجنّبها في أوقات النهي عن الصلاة؛ أي من بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، ومن طلوع الشمس إلى وقت صلاة الضحى، وقبل صلاة الظهر بثلث أو ربع ساعةٍ، ومن بعد صلاة العصر إلى حين اصفرار الشمس، ومن اصفرارها إلى غيابها، ويُستثى من ذلك حدوث أمرٍ طارئٍ يستدعي الاستخارة حالاً.[٦][٧]


كيفية الاستخارة للزواج

تُؤدّى الاستخارة بصلاة ركعتَين من غير الفريضة، وترديد دعاء الاستخارة؛ إمّا في السجود، أو في آخر التشهُّد قبل التسليم من الركعتَين،[٦] أو بعد التسليم من الركعتَين؛[٨] وذلك بقول: "اللَّهُمَّ إنِّي أسْتَخِيرُكَ بعِلْمِكَ وأَسْتَقْدِرُكَ بقُدْرَتِكَ، وأَسْأَلُكَ مِن فَضْلِكَ فإنَّكَ تَقْدِرُ ولَا أقْدِرُ، وتَعْلَمُ ولَا أعْلَمُ، وأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ فإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ هذا الأمْرَ - ثُمَّ تُسَمِّيهِ بعَيْنِهِ - خَيْرًا لي في عَاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ - قالَ: أوْ في دِينِي ومعاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي - فَاقْدُرْهُ لي ويَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لي فِيهِ، اللَّهُمَّ وإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أنَّه شَرٌّ لي في دِينِي ومعاشِي وعَاقِبَةِ أمْرِي - أوْ قالَ: في عَاجِلِ أمْرِي وآجِلِهِ - فَاصْرِفْنِي عنْه، واقْدُرْ لي الخَيْرَ حَيْثُ كانَ ثُمَّ رَضِّنِي بهِ".[٥][٦]


الاستشارة والاستخارة

تتعلّق العديد من الامور بالاستخارة، ومنها الاستشارة التي ثبتت مشروعيتها بقول الله -تعالى-: "وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ"،[٩] وهي تعني سؤال أهل المعرفة والتجربة والخبرة بالمَقصد والهدف من الأمر المحدّد المطلوب، على أن يكونوا مَحلّ الثقة؛ إذ إنّ من الصعب على الإنسان أن يدرك تفاصيل الأمر كلّها، ويُقدّر مَحاسنها ويجمع أطراف القرار جميعها، مع الإشارة إلى أنّ هذا الاستشارة لا تُعَدّ مُكتملة دون الاستخارة التي لا بُدّ منها،[١٠] مع الإشارة إلى أنّ الأفضل استشارة أهل العلم والخبرة والحكمة بالأمور، ثمّ استخارة الله -تعالى-.[١١]


نتيجة صلاة الاستخارة

تكمن حقيقة الاستخارة في تفويض الإنسان أموره للّه –تعالى- حتى وإن كان كارهاً لهذه الأمور؛ إذ قال –تعالى-: "وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"؛[١٢]أي أنّها لا تتوقّف على انشراح الصدر لأمرٍ ما بعد الاستخارة، كما أنّ الاستخارة لا تتوقّف على الرؤيا، وانتظار المُضِيّ في الأمر إلى حين وقوعها، بل لا بُدّ من المُبادرة إلى العمل والمُضِيّ فيه بعد الاستخارة؛ وذلك بالتوكّل على الله، فإن كان في الأمر خيرٌ يَسَّرَه الله له، وإن كان فيه شرٌّ صَرَفه عنه.[١٣]


أحكامٌ متعلّقةٌ بالاستخارة

تكرار الاستخارة

بيّن العلماء حكم تكرار الاستخارة أكثر من مرّةٍ، وبيان آرائهم آتياً:[١٤]

  • جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية: قالوا بتكرار الاستخارة بالصلاة والدعاء معاً سبع مرّاتٍ عند عدم الترجيح بين الأمور في الاستخارة، أمّا إذا ترجَّحَ أحد الأمور فلا تُكرَّر الاستخارة، وأضاف الشافعية أنّ الاستخارة تُكرَّر أكثر من سبع مرّاتٍ إن لَزِم الأمر.
  • الحنابلة: لم يُصرّحوا في أيٍّ من كُتُبهم بحُكم تكرار الاستخارة، ولم يتعرّضوا له.


الأمور التي يُستخار فيها

لا تُشرَع الاستخارة إلّا في الأمور المُباحة، والأمور المَندوبة إن تعارضت، وهي لا تكون في الأمور المُحرَّمة، أو المكروهة، أو الواجبة.[١٥]


المراجع

  1. محمد صالح المنجد، "صلاة الاستخارة"، إسلام سؤال وجواب، اطّلع عليه بتاريخ 8/12/2020. بتصرّف.
  2. حسام الجبرين (13/6/2010)، "الاستخارة"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 8/12/2020. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت محمد صالح المنجد، موقع الإسلام سؤال وجواب، صفحة 2167. بتصرّف.
  4. ابن عثيمين، الزواج، صفحة 12. بتصرّف.
  5. ^ أ ب رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:1162، صحيح.
  6. ^ أ ب ت سلمان العودة، دروس للشيخ سلمان العودة، صفحة 64. بتصرّف.
  7. ابن باز، "الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها والحكمة من ذلك"، ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 8/12/2020. بتصرّف.
  8. "صلاة الاستخارة"، الإمام ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 16/12/2020. بتصرّف.
  9. سورة آل عمران، آية:5
  10. حسام الدين السامرائي، "الاستخارة والاستشارة"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 8/12/2020. بتصرّف.
  11. "هل تقدم الاستشارة على الاستخارة أم العكس؟"، إسلام ويب، اطّلع عليه بتاريخ 8/12/2020. بتصرّف.
  12. سورة البقرة، آية:216
  13. ملتقى أهل الحديث، أرشيف ملتقى أهل الحديث، صفحة 238. بتصرّف.
  14. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 246. بتصرّف.
  15. حسام الدين عفانة، فتاوى، صفحة 171. بتصرّف.