حكم التنكيس في الصلاة

تحدّث أهل العلم في حكم تنكيس القراءة في الصلاة تبعاً لتعريف كلٍ منهم لمفهوم التنكيس؛ فمنهم من جعل التنكيس في سور القرآن الكريم، وفي السورة الواحدة، ومنهم من جعله في الآيات والسور والحروف، ويمكن بيان ذلك على النحو الآتي:


التنكيس في السورة الواحدة

يُقصد بهذا النوع من التنكيس قراءة السورة معكوسة، بأن يبدأ المصلي من آخر السورة إلى أولها بعكس الآيات القرآنية؛ وذلك إظهاراً لقوة الحفظ والتمكّن منه؛ وهو مذموم محرّم قبيح، وعليه يُحمل قول السلف في ذمّ التنكيس؛ لأنّ ترتيب الآيات في السورة الواحدة توقيفيّ لا يجوز العبث به، فيجب قراءة السورة على ما هي عليه من أولها إلى آخرها.[١]


ويجدر التنبيه إلى أنّ بعض أهل العلم فرّقوا بين التنكيس في السورة الواحدة بين أن تكون فرضاً أو نفلاً؛ فقد ذهب الحنفيّة إلى القول بكراهة التنكيس في القراءة كراهة تنزيهيّة في صلاة الفريضة دون النافلة، سواء أوقع التنكيس في ركعة أو في ركعتين؛ بأن يقرأ المصلّي آخر سورة معيّنة بعد الفاتحة في الركعة الأولى، ثم يأتي بأولها -بعد الفاتحة- في الركعة الثانية.[٢]


بينما لم يُفرّق المالكيّة في صلاة الفرض والنافلة، إنّما فرّقوا بين الركعات، فحرّموا التنكيس في الركعة الواحدة؛ لأنّ كل ركعة في الصلاة لها قراءة مستقلة، فيُحرم عندهم في الركعة الواحدة القراءة من آخر السورة إلى أولها، ولكنّه يُكره إذا كان التنكيس بين الركعات بأن يُقرأ في الركعة الأولى آخر سورة ما، ثم يُؤتى في الركعة الثانية بأولها.[٢]


التنكيس في عدد من السور

إذا قام المصلّي بقراءة سورة -بعد الفاتحة- في الركعة الأولى تسبق السورة التي قرأها في الركعة الثانية، سمّي ذلك تنكيس السور؛ ومثاله: أن يقرأ المصلّي بعد الفاتحة سورة الناس في الركعة الأولى، ثم يقرأ بعد الفاتحة في الركعة الثانية سورة الفلق؛[١] وقد تعددت الأقوال في حكم هذا التنكيس:


  • الجواز مع الكراهة

أجاز بعض أهل العلم التنكيس بين السور في الصلاة مع الكراهة؛ لأنّ الترتيب بين السور ليس واجباً في القراءة، إلا أنّه يُستحب ترتيبها بحسب ترتيب المصحف، واشترطوا أن لا يكون التنكيس بين سورة الفاتحة وما بعدها، بحيث يقرأ المصلّي سورة قبل الفاتحة، ثم يقرأ الفاتحة فهذا لا يجوز، والقول بالجواز والكراهة أحد أقوال الإمام أحمد، بينما تبنى المحققون من الحنابلة القول بالجواز.[١]


  • الجواز مع مخالفة الأولى

ذهب بعض أهل العلم إلى القول بأنّ تنكيس السور في الصلاة خلاف الأولى -وهو الترتيب-؛ فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قرأ في قيام الليل بسورة البقرة، ثم النساء ثم آل عمران؛ ففي الصحيح عن حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- أنّه قال: (صَلَّيْتُ مع النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَافْتَتَحَ البَقَرَةَ، فَقُلتُ: يَرْكَعُ عِنْدَ المِائَةِ، ثُمَّ مَضَى، فَقُلتُ: يُصَلِّي بهَا في رَكْعَةٍ، فَمَضَى، فَقُلتُ: يَرْكَعُ بهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ، فَقَرَأَهَا، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ، فَقَرَأَهَا...).[٣][٤]


ومعلوم أنّ سورة آل عمران تسبق سورة النساء في ترتيب المصحف، كما استدلوا بفعل عثمان بن عفان -رضي الله عنه-؛ فقد كان يقرأ من آخر القرآن الكريم ثم يقرأ من أوله، ويعلل ذلك بأنّ كلّ ما قرأ هو من القرآن الكريم.[٤]


التنكيس في الكلمات والحروف

أجمع أهل العلم على حرمة التنكيس في قراءة كلمات وحروف القرآن الكريم، وتبطل به الصلاة سواء أكان المصلّي عامداً أم ساهياً؛ لأنّه إخراج للقرآن الكريم عن الوجه الذي تكلّم به المولى -سبحانه-، كما يغلب في هذا التنكيس تغيير المعنى واختلافه اختلافاً كثيراً،[٥] ومثاله في الكلمات أن يقرأ المصلّي: (لِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، بدل أن يقرأ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)،[٦][٧] ومثاله في الحروف: أن يعكس المصلّي حروف كلمة واحدة تتكون مثلاً من ثلاثة حروف، فيبدؤها من آخرها إلى أولها.[٥]


التنكيس خارج الصلاة

ذهب بعض أهل العلم إلى كراهة التنكيس في قراءة القرآن الكريم خارج الصلاة كراهة شديدة؛ أيّ بمثابة الكراهة التحريميّة التي تقترب إلى حكم التحريم، فلا فرق عندهم بين التنكيس في الصلاة وخارجها، ولا بين القراءة أو الكتابة بالقلم، وهي إحدى الروايات عن الإمام أحمد، ورجّحها ابن تيمية -رحمهما الله-، وذلك لأنّ الترتيب هو حق التلاوة فلا فرق بين الصلاة وخارجها، وبين الفاتحة وغيرها من السور.[٨]

المراجع

  1. ^ أ ب ت عبد الله الجديع، المقدمات الأساسية في علوم القرآن، صفحة 531-532. بتصرّف.
  2. ^ أ ب دبيان الدبيان، الجامع في أحكام صفة الصلاة، صفحة 405-407، جزء 2. بتصرّف.
  3. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن حذيفة بن اليمان، الصفحة أو الرقم:772، صحيح.
  4. ^ أ ب أسامة سليمان، التعليق على العدة شرح العمدة، صفحة 14، جزء 28. بتصرّف.
  5. ^ أ ب ابن عثيمين، الشرح الممتع على زاد المستقنع، صفحة 77، جزء 3. بتصرّف.
  6. سورة الفاتحة، آية:1
  7. "التنكيس في الصلاة صوره وأحكامه"، إسلام أون لاين، اطّلع عليه بتاريخ 27/7/2023.
  8. دبيان الدبيان، الجامع في أحكام صفة الصلاة، صفحة 411، جزء 2. بتصرّف.