حكم الصلاة بين السواري

يُقصد بالسواري أعمدة المساجد، وقد أجاز الفقهاء الصلاة بين السواري إذا دعت الحاجة إليها؛ كضيق المسجد مثلاً، كما لم يختلفوا في جواز الصلاة بين الساريتين؛ سواء بحق المنفرد أو بحق الإمام؛ أمّا إن كانت الصلاة بين السواري من غير حاجة أو ضرورة معتبرة شرعاً، ووسع المسجد واتساعه واستيعابه للمصلين؛ فقد تعددت الآراء في حكم ذلك،[١] نبيّنها على النحو الآتي:


التحريم

ذهب بعض أهل العلم إلى تحريم الصلاة بين السواري مع وسع المساجد، وعدم الاضطرار إلى ذلك؛ وسبب التحريم أنّ الصلاة بين السواري تقطع الصفوف أثناء الصلاة، ودليلهم في هذا الآثار والأحاديث الواردة في النهي عن الصلاة بين السواري والأساطين.[٢]


منها: ما صحّ عن عبد الحميد بن محمود أنّه قال: (صَلَّيْتُ مَعَ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَاضْطَرَّنَا النَّاسُ فَصَلَّيْنَا بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ فَلَمَّا صَلَّيْنَا، قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: كُنَّا نَتَّقِي هَذَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)،[٣] وفي حديث آخر: (كُنَّا نُنْهَى أَنْ نَصُفَّ بَيْنَ السَّوَارِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا).[٤][٢]


الكراهة

أفتى بعض أهل العلم بكراهة الصلاة بين السواري مع السعة، وحملوا الأحاديث التي استدلّ بها القائلون بالتحريم على الكراهة مع صحّة الصلاة؛ لأنّ قطع الصفوف بين الصلاة من غير حاجة مكروه؛ لذا حُمل القطع بالسواري على الكراهة،[٥] كما أنّهم قالوا بعدم وجود دليل واضح يدلّ على المنع؛ وبهذا قال عبد الله بن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وعبد الله بن عباس -رضي الله عنهم جميعاً-، والنخعي.[٦]


الجواز

ذهب جمعٌ من أهل العلم من الحنفيّة والشافعيّة إلى القول بجواز الصلاة بين السواري مع السعة،[٧] كما رخّص فيه ابن سيرين والإمام مالك، وابن المنذر، وجمعٌ من أهل الرأي،[٦] وقال البغويّ هو قول أكثر أهل العلم، كما أشار الزركشيّ بأنّه قول جمهور أهل العلم.[٨]


واستدلوا على ذلك بحديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّه قال: (دَخَلَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- البَيْتَ وأُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ، وعُثْمَانُ بنُ طَلْحَةَ، وبِلَالٌ فأطَالَ، ثُمَّ خَرَجَ وكُنْتُ أوَّلَ النَّاسِ دَخَلَ علَى أثَرِهِ، فَسَأَلْتُ بلَالًا: أيْنَ صَلَّى؟ قَالَ: بيْنَ العَمُودَيْنِ المُقَدَّمَيْنِ).[٩][٨]


وقالوا إنّ الصلاة بين السواري لا تقطع الصفوف؛ إنّما تجعل الصفّ الطويل قصيراً، فيكون الصفّ صحيحاً في حقّ كل جماعة من الناس، كما أنّ تخلل الساريّة أو الأسطوانة كالفُرجة بين المصلين، أو كوجود متاع بينهم؛ وهذا لا يُوجب الكراهة، ولا يمنع صحة الاقتداء، وقد علّق بعض أهل العلم على الاستدلال بالحديث السابق بأنّه محل خلاف بين الفقهاء، وأنّه يُخالف أحاديث كثيرة، وردت في صلاة الجماعة وكيفيّتها.[٨]


الراجح في المسألة

بناءً على ما سبق؛ يظهر أنّ الصلاة بين السواري جائزٌ في حال دعت الضرورة إلى ذلك، أمّا إذا كان في المسجد سعة فلا حرج في الصلاة بينها على رأي أكثر أهل العلم، وإن كان الأفضل والأكمل التأخر عنها إن كانت متقاربة، أمّا إن كانت متباعدة تباعداً كبيراً، أو لا تقطع صفوف المصلين، فالصلاة بينها جائزة، إذ تعدّ كالصلاة بين جدارين متباعدين.[١٠]


وينبغي التنبيه على أنّ الأولى بالمسلم الابتعاد عن إثارة الفتن في بيوت الله -تعالى-، وفي المساجد؛ لا سيما إن رأى من يُخالفه الرأي، ويأخذ بأحد الأحكام السابقة التي تعددت فيها آراء أهل العلم منذ الزمن الأول، كما أنّ إثارة المسائل الخلافيّة قد تؤدي إلى إشعال الفتنة والفرقة بين المسلمين في المسجد، وينتج عن ذلك فساد أكبر من إنكارها أو الإشارة إلى تعدد الآراء فيها؛ وهذا الأمر يعدّ من أشدّ المنكرات عند أهل العلم.[١]

المراجع

  1. ^ أ ب لجنة الإفتاء (2/3/2010)، "حكم الصلاة بين السواري"، دائرة الإفتاء الأردنية، اطّلع عليه بتاريخ 6/6/2023. بتصرّف.
  2. ^ أ ب أيمن إسماعيل، المساجد بيوت الله، صفحة 187. بتصرّف.
  3. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:229، صححه الحاكم والذهبي والألباني.
  4. رواه ابن ماجه، في سنن ابن ماجه، عن أبي معاوية بن قرة، الصفحة أو الرقم:1002، قال الأباني حسن صحيح.
  5. عبد الكريم العميريني، أحكام الصف في الصلاة، صفحة 241-242. بتصرّف.
  6. ^ أ ب ناصر الدين الألباني، سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، صفحة 656، جزء 1. بتصرّف.
  7. عبد الكريم العميريني، أحكام الصف في الصلاة، صفحة 238. بتصرّف.
  8. ^ أ ب ت عبد الكريم العميريني، أحكام الصف في الصلاة، صفحة 239. بتصرّف.
  9. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:504، صحيح.
  10. محمد بن محمد المختار الشنقيطي، شرح زاد المستقنع، صفحة 17، جزء 65. بتصرّف.