سنن الفطرة وارتباطها بالطهارة

الطّهارة في الإسلام قيمة عالية الشأن؛ فقد جعل المولى -سبحانه- الاتّصاف بها سبباً لمحبّة أهلها؛ فقال -عزّ وجلّ-: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)،[١] وهي مظهر من مظاهر الإيمان، حيث يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ).[٢]


وسنن الفطرة المرتبطة بالطّهارة كثيرة؛ إلا أنّ أهمّها ما صحّ في الحديث عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (عَشْرٌ مِنَ الفِطْرَةِ: قَصُّ الشَّارِبِ، وإعْفاءُ اللِّحْيَةِ، والسِّواكُ، واسْتِنْشاقُ الماءِ، وقَصُّ الأظْفارِ، وغَسْلُ البَراجِمِ، ونَتْفُ الإبِطِ، وحَلْقُ العانَةِ، وانْتِقاصُ الماءِ. قالَ زَكَرِيّا: قالَ مُصْعَبٌ: ونَسِيتُ العاشِرَةَ إلَّا أنْ تَكُونَ المَضْمَضَةَ. زادَ قُتَيْبَةُ، قالَ وكِيعٌ: انْتِقاصُ الماءِ: يَعْنِي الاسْتِنْجاءَ).[٣]


مواطن الطهارة في الحديث

يظهر في الحديث الشريف ارتباطاً واضحاً لسنن الفطرة بالطّهارة، على اعتبار أنّ الطّهارة بمفهومها الواسع تشمل النّظافة البدنية وتتعدّاها إلى حُسن المظهر وجمال الهيئة، وبيان ذلك فيما يأتي:


  • قَصُّ الشَّارِب

قصّ الشّارب أو حفّه حتى تبقى الشِّفّة ظاهرة مظهر حسن، وطول الشارب مؤذٍ وإن بدا للمخالف غير ذلك، كما في إطالته حسّ الكِبْر عند بعض من يفعله، وفي النّهي عن إطالته يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (جُزُّوا الشَّوارِبَ، وأَرْخُوا اللِّحَى خالِفُوا المَجُوسَ).[٤]


  • إعْفاءُ اللِّحْيَة

إعفاء اللحية مظهر من مظاهر الحُسْن للرّجال، وإعفاؤها مع المحافظة على ترتيبها ونظافتها من سنن النبيّين، يقول أنس -رضي الله عنه-: (رأَيْتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ تَوَضَّأَ وخَلَّلَ لِحْيتَهُ بأَصابِعِهِ مِنْ تَحْتِها، وقالَ: «بهذا أَمَرَني رَبِّي»)،[٥] كما أنّ في حلقها تشبّهٌ بالنّساء حتى وإنْ لم يقصد الحالق ذلك.


  • السِّواك

لا يخفى أنّ استعمال السّواك مظهر جليل من مظاهر الطّهارة، وقد أكثر النبي -عليه الصلاة والسلام- من الحثّ عليه والتّوصية باستعماله؛ ففي الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لَوْلَا أنْ أشُقَّ علَى أُمَّتي أوْ علَى النَّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بالسِّوَاكِ مع كُلِّ صَلَاةٍ).[٦]


  • اسْتِنْشاقُ الماء

استنشاق الماء من شأنه أنْ يحافظ على نقاء الهواء الدّاخل إلى صدر الإنسان، ويسهّل وصول الهواء إلى رئتيه، وبالتالي فهو سبب في تحسين الصحة العامة للإنسان، ويعدّ الاستنشاق أحد السنن الثابتة في الوضوء عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وفي هذا عن لقيط بن صبرة -رضي الله عنه- قال: (قلتُ يا رسولَ اللهِ، أخبرنِي عن الوضوءِ، قال: أسبغِ الوضوءَ، وخلّلْ بينَ الأصابعِ، وبالغْ في الاستنشاقِ، إلا أن تكونَ صائمًا).[٧]


  • قَصُّ الأظْفار

لا يخفى أنّ إطالة الأظافر أذيّة لصاحبها من حيث أنّ داخلها بيئة نشطة لتجمّع الجرائيم والأوساخ، وأذية لغيره كذلك لاحتمال أنْ يتسبب بجرح أحد، ومن هنا جاء التوجيه النّبوي بقصّها وعدم إطالتها، وتعاهد ذلك كلما دعت الحاجة.


  • غَسْلُ البَراجِم

البَراجِم هي المفاصل الظاهرة من أصابع اليد ممّا يلي الأظافر،[٨] ويحتمل أنْ تُطلق على جميع المفاصل خاصة الظّاهرة منها، وذلك لاحتمال أنْ يعلق بها شيء من الأوساخ أو الجراثيم.


  • نَتْفُ الإبِط

الإبط مكان نشط للتّعرّق، والحثّ على نتفه الشّعر أو حلقه جاء من باب الحرص على النّظافة العامة للإنسان، وفيه لفتْ نظرٍ لأهمية أنْ يلقى النّاس بعضهم برائحة طيّبة؛ فلا يتأذى أحدٌ من أخيه بسبب رائحة إبطه.


  • حَلْقُ العانَة

المرادُ بالعانةِ: الشَّعرُ الذي فَوقَ ذَكَر الرَّجُل وحوالَيه، وكذاك الشَّعرُ الذي حوالَي فرْجِ المرأة،[٩] والحث على حلق العانة أيضاً يأتي من باب درء الاتّساخ عن جسم الإنسان، ولأنّ ترك الشّعر دون حلقٍ في هذا المكان يثير التّعرق ويُظهر ريحه.


  • انْتِقاصُ الماء

انتقاص الماء أي: الاستنجاء، ويقصد به التّطهر بالماء بعد قضاء الحاجة من البول أو الغائط، وهذا أبلغ بالطهارة وأثبت في النّظافة، وقيل: "هو رَشُّ الماءِ على الفَرجِ بعد الوُضوءِ ليَنفيَ عنه الوَسواسَ".[١٠]


  • المَضْمَضَة

تعدّ المضمضمة أحد سنن الوضوء التي أوصى بها النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كما تمّت الإشارة إلى ذلك سابقاً في حديث المبالغة بالاستنشاق، ولا يخفى أنّ المضمضة تعبير جليّ عن حرص الإنسان على نظافة فمه، وإزالة العوالق التي قد تبقى بين الأسنان من الطعام، كما فيه ترطيب للفم وإزالة للرّوائح الكريهة.


ما معنى سنن الفطرة في الحديث؟

سنن الفطرة في الحديث يُقصد بها: كلّ ما يعود إلى تطهير الظاهر من الإنسان وتعاهد نظافته، ودفع الأوساخ والأقذار عنه، ومنها هذه العشر خصال، وهي من محاسن الدّين؛ فكلّها مرتبطة بالنّظافة والطّهارة وحُسن المظهر، وبذلك يكون المسلم في صحة ومظهر مستعدٍّ لكلّ ما يراد منه".[١١]

المراجع

  1. سورة البقرة، آية:222
  2. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبو مالك الأشعري، الصفحة أو الرقم:223 ، صحيح.
  3. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:261، صحيح.
  4. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:260 ، صحيح.
  5. رواه الحاكم، في المستدرك على الصحيحين، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:537 ، صحيح.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:887 ، صحيح.
  7. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن لقيط بن صبرة، الصفحة أو الرقم:788 ، حسن صحيح.
  8. "تعريف ومعنى براجم في معجم المعاني الجامع"، المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 14/1/2023. بتصرّف.
  9. فريق العمل، "الاستحداد (حَلْق العانة)"، الدرر السّنية، اطّلع عليه بتاريخ 14/1/2023.
  10. فريق الموقع، "شرح حديث عشر من الفطرة"، الدرر السّنية، اطّلع عليه بتاريخ 14/1/2023.
  11. عبد الرحمن السعدي، بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار، صفحة 51.