شروط المسح على الخفين
يُقصد بالخفّ ما يُلبس في الرجل من الجلد، فيكون ساتراً للكعبين فصاعداً؛[١] وقد فصّل أهل العلم بالشروط الواجب توافرها في الخفّين ليصحّ المسح عليهما بدلاً من غسلهما في الوضوء؛ استناداً إلى الأدلة الشرعيّة في المسألة؛ وهذه الشروط هي:
أن يكون لبسهما ابتداءً على طهارة
يجب على المسلم إذا أراد أن يمسح على خفّيه أن يكون قد ارتداهما على طهارة؛ إذ ثبت في هذا عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنهما- أنّه قال: (كُنْتُ مع النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- ذاتَ لَيْلَةٍ في مَسِيرٍ، فقالَ لِي: أمعكَ ماءٌ قُلتُ: نَعَمْ فَنَزَلَ عن راحِلَتِهِ، فَمَشَى حتَّى تَوارَى في سَوادِ اللَّيْلِ...).[٢][٣]
ويكمل شعبة -رضي الله عنه- فيقول: (ثُمَّ جاءَ فأفْرَغْتُ عليه مِنَ الإداوَةِ، فَغَسَلَ وجْهَهُ، وعليه جُبَّةٌ مِن صُوفٍ، فَلَمْ يَسْتَطِعْ أنْ يُخْرِجَ ذِراعَيْهِ مِنْها حتَّى أخْرَجَهُما مِن أسْفَلِ الجُبَّةِ، فَغَسَلَ ذِراعَيْهِ ومَسَحَ برَأْسِهِ، ثُمَّ أهْوَيْتُ لأَنْزِعَ خُفَّيْهِ فقالَ: دَعْهُما فإنِّي أدْخَلْتُهُما طاهِرَتَيْنِ، ومَسَحَ عليهما)؛[٢] وفي هذا الحديث دلالة واضحة أنّ الطّهارة قبل لبس الخفّ شرطٌ للمسح عليه بعد ذلك.[٣]
أن يكونا ساترين
يُشترط في الخفّين المراد المسح عليهما أن يكونا ساترين لمحل المسح؛ بأن يكونا حدّهما للكعبين، لا يصفا ما تحتهما، فلا يجوز المسح على ما كان خفيفاً يُظهر البشرة، أو كان حدّه لا يصل إلى الكعبين؛ وهو قول الجمهور ومن وافقهم من أهل العلم، بينما ذهب بعض أهل العلم -كابن تيمية وبعض المتأخرين- إلى القول بعدم اشتراط أن يكون الخفّان ساترين لمحلّ المسح؛ لأنّ النصوص الواردة في ذلك مطلقة، وما كان مطلقاً وجب أن يبقى على إطلاقه.[٤]
كما ردّوا على من اشترط عدم وجود الخروق في الخّف؛ بأنّ معظم الفقراء أو المحتاجين لا تخلو خفافهم من ذلك، ولم يأتِ أيضاً عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه نبّه أصحابه الذين كثرت الخروق بخفافهم إلى عدم جواز المسح عليها؛ ومن هنا عدّ هؤلاء العلماء أن اشتراط كون الخفّ ساتراً لمحل المسح اشتراطاً ضعيفاً.[٤]
أن يكونا طاهرين
لا يجوز المسح على الخفّ النجس؛ كأن يكون الخفّ من جلد خنزير، أو من جلد ميتة، وقد تعددت آراء أهل العلم في حكم الخفّ المصنوع من جلد الميتة المدبوغ؛ فمن قال بأنّ الدبغ غير مُطهّر لم يُجز المسح على هذا النوع من الخفاف، ومن قال إنّ الدبغ مُطهّر أجاز المسح، والذي رجّحه أهل العلم جواز المسح على جلد الميتة المدبوغ.[٥]
إمكانية السير بهما
اشترط جمعٌ من أهل العلم أن يكون الخفّان ثابتين على القدم لا يسقطان؛ بحيث يمكن السير بهما دون الحاجة لشدهما، فلا يُمسح على ما كان عكس ذلك؛ وهذا مذهب الحنفيّة والمالكيّة، وأصحّ الأقوال عند الشافعيّة؛ ودليلهم في هذا ما يأتي:[٦]
- إنّ ما لا يثبت على القدم لا فائدة من لبسه.
- إنّ ما لا يثبت على القدم لا يُمكن متابعة السير به.
- إنّ هذا النوع من الخفاف -الذي لا يثبت- لا تشمله النصوص المبيحة للمسح؛ لأنّه غير معتاد.
- إنّ ما يسقط من القدم يمكن نزعه بسهولة؛ فلا حاجة للمسح عليه.
بينما استدلّ المجيزون للمسح على الخفّ الذي لا يثبت على القدم، أو الذي يلزم شدّه وربطه؛ بالأدلة الآتية:[٦]
- إنّ الإذن بالمسح على الخفّ مطلق غير مقيد بنوع دون آخر.
- إنّ هذا الخفّ الواسع صالحٌ بنفسه؛ بحيث لو لبسه صاحب القدم الكبيرة ثبت عليه وكفاه، وجاز المسح عليه اتفاقاً.
- إنّ هذا الخفّ الواسع قد يلبسه من لا يحتاج إلى المشي؛ فقد يلبسه المريض والمقعد، ومنعه من المسح بلا دليل أمر لا يجوز.
أن يكونا من الجلد
اشترط بعض أهل العلم أن يكون الخفّين من الجلد لا من القماش، وهو شرط تمسّك به المالكيّة؛ فقالوا بعدم جواز المسح على الصوف أو القطن أو نحو ذلك إلا إذا كُسيت بالجلد؛ ويرى الجمهور -من غير المالكيّة- جواز المسح على الخفّ المصنوع من غير الجلد -أيضاً-، بشرط أن يكون الخفّ مانعاً من وصول الماء؛ مع بقية الشروط الأخرى.[٧]
شروط أخرى
اشترط بعض أهل العلم في جواز المسح على الخفّين شروطاً أخرى؛ يمكن تلخيصها على النحو الآتي:[٨]
- أن تكون الطهارة قبل لبسهما طهارة مائية لا ترابيّة.
- أن لا يكون المسح للترفّه؛ بأن يكون لبسه خوفاً على حناء القدمين، أو لمجرد النوم، أو لمجرد المسح دون الحاجة.
المراجع
- ↑ مرعي الشهري، أحكام المجاهد بالنفس في سبيل الله عز وجل في الفقه الإسلامي، صفحة 102، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن المغيرة بن شعبة، الصفحة أو الرقم:274، صحيح.
- ^ أ ب كمال ابن السيد سالم، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، صفحة 153، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 89، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 88، جزء 1. بتصرّف.
- ^ أ ب دبيان الدبيان، موسوعة أحكام الطهارة، صفحة 205-207، جزء 5. بتصرّف.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 265، جزء 37. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 480، جزء 1. بتصرّف.