طريقة التيمم بالتراب

اتفق الفقهاء على أنّ الوجه واليدين هما العضوان اللذان يعدّان من فروض التيمم؛ سواء أكان التيمم من الحدث الأكبر أو الأصغر؛ بدلالة قوله -تعالى-: (... فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ...)،[١] ولما ثبت في السنة النبويّة من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ ومن ذلك ما ثبت من حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال مرشداً لأحد الصحابة في أمر التيمم: (... إنَّما كانَ يَكْفِيكَ أنْ تَضْرِبَ بيَدَيْكَ الأرْضَ، ثُمَّ تَنْفُخَ، ثُمَّ تَمْسَحَ بهِما وجْهَكَ، وكَفَّيْكَ...).[٢][٣]


وما ثبت أيضاً عن أبي الجهيم الأنصاري -رضي الله عنه- أنّه قال: (... أقْبَلَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- مِن نَحْوِ بئْرِ جَمَلٍ، فَلَقِيَهُ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عليه، فَلَمْ يَرُدَّ عليه النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- حتَّى أقْبَلَ علَى الجِدَارِ، فَمَسَحَ بوَجْهِهِ ويَدَيْهِ، ثُمَّ رَدَّ عليه السَّلَامَ...)؛[٤][٣] أمّا عن كيفيّة المسح، فيمكن بيانها على النحو الآتي:


ضرب التراب

على المسلم إذا أراد التيمم أن يضرب التراب بكفيّه؛ وقد تعددت أقوال الفقهاء في عدد الضربات الواجبة التي يُجزئ معها التيمم؛ وبيان ذلك كما يأتي:[٥]

  • ذهب الحنفيّة، والمالكية -في أحد أقوالهم-، والشافعيّة -في المعتمد عندهم-؛ إلى أنّ الواجب ضربتان، واحدة للوجه، وواحدة لليدين.
  • ذهب الحنابلة إلى أنّ الواجب والمسنون هو ضربة واحدة؛ للوجه واليدين.
  • ذهب المالكيّة إلى أنّ الواجب ضربة واحدة، ولكن يُسنّ الإتيان بضربة أخرى؛ وهو قول عند الشافعيّة ورواية عند الحنابلة.


مسح الوجه واليدين

اتفق الفقهاء على أنّ مسح الوجه واليدين من فروض التيمم، إذ إنّ الفرض الأول عندهم يكون لمسح الوجه، والفرض الثاني لمسح اليدين؛ بينما ذهب بعض الفقهاء إلى أنّ الفرض الأول هو ما كان في الضربة الأولى، بينما تعميم المسح على الوجه واليدين هو الفرض الثاني.[٦]


وأمّا عن كيفيّة المسح فتكون بضرب التراب؛ ثم المسح باليد اليسرى على باطن الكف الأيمن، وظاهر الكف الأيسر براحة اليد اليمنى، ثم يمسح وجهه بيديه؛ بدلالة قوله -صلى الله عليه وسلم-: (... إنَّما كانَ يَكْفِيكَ أنْ تَضْرِبَ بيَدَيْكَ الأرْضَ، ثُمَّ تَنْفُخَ، ثُمَّ تَمْسَحَ بهِما وجْهَكَ، وكَفَّيْكَ...).[٢][٧]


مقدار المسح الواجب

ولقد تعددت الأقوال في القدر الواجب مسحه في اليدين على ثلاثة أقوال؛ تلخيصها على النحو الآتي:[٨]

  • إنّ القدر الواجب مسحه من الأيدي هو مسح اليدين إلى المرفقين؛ وهو مذهب الحنفيّة، وقول للمالكيّة، وقيل هو المشهور في مذهبهم، وكذلك مذهب الشافعيّة.
  • إنّ القدر الواجب مسحه من الأيدي هو مسح الكفّين؛ وهو مذهب الحنابلة، ورواية عند الحنفيّة، وقول عند المالكية، ورواية عند الشافعيّة في القديم.
  • إنّ القدر الواجب مسحه من الأيدي هو مسح اليدين إلى الإبطين؛ ورجّح أهل العلم نسخ هذا الحكم لمّا نزلت آية التيمم، وبما ثبت في السنة النبويّة من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-.


وقد استدلّ أصحاب القول الأول بعدد من الأدلة المُعتبرة؛ منها قوله -تعالى-: (... فتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ...)،[٩] فظاهر هذه الآية الكريمة أنّ التيمم معطوف على الوضوء؛ فيكون بدلاً منه في الطهارة، وذكر اليدين والوجه في التيمم كما في الوضوء، يدلّ على أنّ القدر الواجب في مسح اليدين بالتيمم، كالقدر الواجب في الوضوء؛ أيّ إلى المنكبين أو المرفقين.[٨]


كما دعّم أصحاب هذا القول، وأصحاب الأقوال الأخرى رأيهم مذهبهم بعدد من النصوص، من الآيات الكريمة والأحاديث النبويّة، التي يمكن الاطلاع عليها، وعلى مناقشة أصحاب الأقوال الأخرى عليها بنحوٍ مفصّل في كتاب "الأحكام الفقهية التي قيل فيها بالنسخ وأثر ذلك في اختلاف الفقهاء".[١٠]

المراجع

  1. سورة النساء، آية:43
  2. ^ أ ب رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالرحمن بن أبزى، الصفحة أو الرقم:368، صحيح.
  3. ^ أ ب رائد بن حمدان الحازمي، أحكام التيمم دراسة فقهية مقارنة، صفحة 535. بتصرّف.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري، الصفحة أو الرقم:337، صحيح.
  5. رائد بن حمدان الحازمي، أحكام التيمم دراسة فقهية مقارنة، صفحة 551. بتصرّف.
  6. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 253، جزء 14. بتصرّف.
  7. عبد الله بن صالح الفوزان، منحة العلام في شرح بلوغ المرام، صفحة 83-84، جزء 2. بتصرّف.
  8. ^ أ ب محمد إبراهيم بن سركند، الأحكام الفقهية التي قيل فيها بالنسخ وأثر ذلك في اختلاف الفقهاء، صفحة 559-562، جزء 1. بتصرّف.
  9. سورة المائدة، آية:6
  10. محمد إبراهيم بن سركند، الأحكام الفقهية التي قيل فيها بالنسخ وأثر ذلك في اختلاف الفقهاء، صفحة 562-572، جزء 1. بتصرّف.