سجود السهو

يُراد بسجود السهو: السجود الذي يؤدّى آخر الصلاة أو بعدها لجبر خللٍ ما وقع بالصلاة؛ إمّا بسبب ترك قولٍ أو فعلٍ منها، أو بسبب زيادة أحدهما، أو بسبب الشكّ في عدد ركعاتها.[١]


ما الحكمة من مشروعية سجود السهو؟

شُرع سجود السهو جبراً للنقص أو الخلل الذي يقع في الصلاة، إذ إنّ السهو والنسيان من طبيعة البشر، فقد وقع السهو في الصلاة من النبيّ -عليه الصلاة والسلام-، وقال: (إنَّما أنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أنْسَى كما تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي)،[٢] كما أنّ في سجود السهو ترغيماً للشيطان وطرداً لوساوسه في الصلاة التي منعت من الخشوع فيها، ووقوع الخلل والنقص، فشُرع سجود السهو تكميلاً لها وجبراً، فكأنّ العبد أدّاها تامّةً بسجود السهو رغم النقص والخلل الذي وقع فيها، ومن أقوال العلماء الواردة في ذلك:[٣]

  • قال ابن القيّم -رحمه الله-: (وهذا هو السرّ في سجدتي السهو ترغيماً للشيطان في وَسْوَستِهِ للعبد، وكونه حال بينه وبين الحضور في الصلاة ولهذا أسماهما النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بالمُرغمَتَين، وأمر مَن سها بهما).
  • قال النوويّ -رحمه الله-: (قوله -صلّى الله عليه وسلّم-: كانتا ترغيماً للشيطان؛ أي: إغاظةً له، وإذلالاً، مأخوذ من الرغام وهو التراب، ومنه أرغم الله أنفه، والمعنى أنّ الشيطان لبّس عليه صلاته وتعرّض لإفسادها ونقصها، فجعل الله -تعالى- للمصلّي طريقاً إلى جبر صلاته، وتدارك ما لبسه عليه، وإرغاماً الشيطان وردّه خاسئاً مُبعَداً عن مُراده، وكملت صلاة ابن آدم، وامتثل أمر الله -تعالى- الذي عصى به إبليس من امتناعه من السجود).[٤]
  • قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: (سجدتان يقومان مقام ركعةً من الصلاة، كما قال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في الحديث الصحيح، حديث الشكّ: «إذا شكّ أحدكم فلم يدرِ ثلاثاً صلّى أم أربعاً، فليطرح الشكّ وليبنِ على ما تيقّن، ثمّ ليسجد سجدتين قبل أن يسلّم، فإن صلّى خمساً شفعتا له صلاته، وإلّا كانتا ترغيماً للشيطان» وفي لفظ: «وإن كانت صلاته تماماً، كانتا ترغيماً»، فجعلهما كالركعة السادسة التي تشفع الخامسة المزيدة سهواً).[٤]
  • قال الإمام الشوكانيّ -رحمه الله-: (قوله: (كانتا ترغيماً للشيطان)؛ لأنّه لمّا قصد التلبيس على المصلّي وإبطال صلاته، كان السجدتان؛ لِما فيهما من الثواب ترغيماً له، فعاد عليه بسببهما قصده بالنقص).[٤]


حكم سجود السهو

اتّفق العلماء على مشروعية سجود السهو، إلّا أنّهم اختلفوا في حكمه التفصيلي، وذهبوا في ذلك إلى قولَين بيانها آتياً:[٥]

  • الحنفية والحنابلة: قالوا إنّ سجود السهو واجبٌ، احتجاجاً بأنّ النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أمر بأدائه في عدّة أحاديث، والأمر يدلّ على الوجوب، ومن تلك الأحاديث:
  • ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-: (صَلَّى بنَا رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ خَمْسًا، فَلَمَّا انْفَتَلَ تَوَشْوَشَ القَوْمُ بيْنَهُمْ، فَقالَ ما شَأْنُكُمْ؟ قالوا: يا رَسولَ اللهِ، هلْ زِيدَ في الصَّلَاةِ؟ قالَ: لَا، قالوا: فإنَّكَ قدْ صَلَّيْتَ خَمْسًا، فَانْفَتَلَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قالَ: إنَّما أنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أنْسَى كما تَنْسَوْنَ).[٦]
  • ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-: (إذا شَكَّ أحَدُكُمْ في صَلاتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلاثًا أمْ أرْبَعًا، فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ ولْيَبْنِ علَى ما اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أنْ يُسَلِّمَ، فإنْ كانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ له صَلاتَهُ، وإنْ كانَ صَلَّى إتْمامًا لأَرْبَعٍ كانَتا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطانِ).[٧]
  • المالكية والشافعية: قالوا إنّ سجود السهو سنةٌ.


المراجع

  1. عَبد الله بن محمد الطيّار، عبد الله بن محمّد المطلق، محمَّد بن إبراهيم الموسَى، الفِقهُ الميَسَّر، صفحة 338. بتصرّف.
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:401، صحيح.
  3. د. عبدالله بن حمود الفريح (14/12/2016)، "تعريف سجود السهو والحكمة منه"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 17/3/2021. بتصرّف.
  4. ^ أ ب ت "الحكمة من سجود السهو بسجدتين"، إسلام ويب، 13/7/2020، اطّلع عليه بتاريخ 17/3/2021. بتصرّف.
  5. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 235-234. بتصرّف.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبدالله بن مسعود، الصفحة أو الرقم:572، صحيح.
  7. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:571، صحيح.