خصّت الشريعة الإسلاميَّةٌ بعض الأوقات والأزمان بمزيد فضلٍ وأهمّيَّةٍ؛ فجاءت عددٌ من نصوص القرآن الكريم والسنّة الشريفة على ذكر فضل أوقاتٍ مخصوصةٍ، ومن هذه الأوقات؛ الوقت قبل الفجر، ويُعرف باسم: وقت السَّحَر أو الثلث الأخير من الليل،[١] وفي ما يأتي حديثٌ عن هذا الوقت، وبيانٌ لفضله، وأجلّ العبادات والقربات التي تؤدَّى فيه.
وقت السَّحَر
السحر هو الوقت من آخر الليل قبيل الفجر، وجمعه أسحارٌ، ومنه اشتُقّ اسم وجبة السحور للصائم في رمضان؛ لأنّه تُؤكل في هذا الوقت،[٢] وهو وقتٌ مباركٌ، يستحبّ للمسلم أن يحييه بالطاعات والقربات، من صلاةٍ وذكرٍ وتلاوة للقرآن وغيرها من القربات والأعمال الصالحة، وإن كان قيام الليل يصلح ويصحّ في أيّ وقتٍ من الليل سواءً في أوّله أو أوسطه أو آخره، إلّا أنّ وقت السحر؛ أي آخر الليل أفضل الأوقات وأحبّها،[٣] وقد ورد ذكر وقت السحر في القرآن الكريم في سياق مدح الله -تعالى- لعباده المؤمنين والمتّقين الذين يستثمرون وقت السحر في الاستغفار، وذلك في قوله تعالى: (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ* الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ).[٤]
فضل وقت السحر
إنّ لوقت السحر فضلًا عظيمًا يميّزه عن سائر الأوقات، وقد أكدت ذلك أحاديث نبويَّةٌ كثيرةٌ، ومن ذلك قول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (يَنْزِلُ رَبُّنا -تَبارَكَ وتَعالَى- كُلَّ لَيْلةٍ إلى السَّماءِ الدُّنْيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له؟ مَن يَسْأَلُنِي فأُعْطِيَهُ؟ مَن يَستَغْفِرُني فأغْفِرَ له؟)،[٥] فالحديث يبيّن عظم هذا الوقت؛ لأنّ الله -سبحانه وتعالى- خصّه واختاره لينزل فيه إلى السماء الدنيا نزولًا يليق بجلاله، ويقترب؛ ليستجيب دعاء الداعين، ويغفر للمستغفرين؛ لأنّ هذا الوقت وقت سكونٍ وهدوءٍ، وأغلب الناس فيه يكونون نيامًا إلّا القلة الخاصَّة التي تترك النوم والراحة وتُقبل على الله -تعالى- تدعوه وتتعبّد له بالصلاة والذكر وتلاوة القرآن،[٦] كما ورد عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه سُئل عن الساعة التي يكون فيها أقرب كما جاء في الحديث عن عمرو بن عبسة -رضي الله عنه- أنّه سأل النبي: (هل مِن ساعةٍ أقرَبُ إلى اللَّهِ -عزَّ وجلَّ- مِن أُخرى؟ قالَ: نعَم، جَوفُ اللَّيلِ الآخرُ، فَصلِّ ما بدا لَكَ حتَّى تصلِّيَ الصُّبحَ).[٧]
الطاعات المستحبَّة وقت السحر
إنّ للمسلم أن يقوم بأي عملٍ من الأعمال الصالحات والطاعات للتقرّب إلى الله -تعالى- في هذا الوقت، إلّا أنّ من العبادات ما وردّ النصّ على استحبابها أكثر وقت السحر، وهي:[١]
- الاستغفار: فقد ورد ذكر الاستغفار في وقت السَّحر، ومدح المستغفرين فيه كما جاء في قوله تعالى: (كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ).[٨]
- الدعاء: وذلك لأنّ الله -سبحانه وتعالى- يكون أقرب في هذه الوقت، وقد ذكر النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّ هذا الوقت حريٌّ بإجابة الدعاء، كما روى أبو أمامة الباهلي -رضي الله عنه- أنّه قال: (يا رسولَ اللهِ: أيُّ الدعاءِ أسمَعُ قال جَوفَ الليلِ الآخِرِ ودُبُرَ الصلواتِ المكتوباتِ).[٩]
- السحور: فالسحور عبادةٌ يؤدّيها المسلم؛ ليتقوّى على الصيام، وأفضل وقتها آخر الليل؛ لقول النبيّ -عليه الصلاة والسلام-: (بَكِّرُوا بالإِفطارِ، وأخروا في السُّحورِ).[١٠]
المراجع
- ^ أ ب د. محمد جمعة الحلبوسي (5/4/2022)، "في السحر ثلاث عبادات"، الألوكة، اطّلع عليه بتاريخ 23/8/2022. بتصرّف.
- ↑ "معنى السَّحَر"، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 23/8/2022.
- ↑ سعيد بن وهف القحطاني، صلاة التطوع، صفحة 120-121. بتصرّف.
- ↑ سورة آل عمران، آية:16-17
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:1145، حديث صحيح.
- ↑ "شرح حديث: ينزل ربنا تبارك وتعالى"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 23/8/2022. بتصرّف.
- ↑ رواه النسائي، في سنن النسائي، عن عمرو بن عبسة، الصفحة أو الرقم:584، صححه الألباني.
- ↑ سورة الذاريات، آية:17-18
- ↑ رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم:3499، حديث حسن.
- ↑ رواه الألباني، في صحيح الجامع، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:2835، حديث صحيح.