ستر العورة في الصلاة

ستر العورة في الصلاة شرطٌ من شروط صحّتها؛ أي أنّ الصلاة لا تصحّ ممّن أظهر جزءاً من عورته، استدلالاً بقول الله -تعالى-: (يا بَني آدَمَ خُذوا زينَتَكُم عِندَ كُلِّ مَسجِدٍ)،[١] فالزينة المذكورة في الآية يُراد بها الثياب الساترة للعورة، يؤيّد ذلك ما ورد عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- أنّه قال: (لا يقبلُ اللَّهُ صلاةَ حائضٍ إلَّا بخِمارٍ)،[٢] كما أجمع العلماء على بطلان الصلاة بسبب عدم ستر العورة إن كان المصلّي قادراً على سترها، إلّا أنّهم اختلفوا في بعض المسائل، ومنها: ظهور الرُكبة في الصلاة للرجل، وبيان ما ذهبوا إليه في المقال.[٣]



هل ظهور الركبة يبطل الصلاة؟

اختلف العلماء في الحكم على ظهور الرُكبة إن كان ظهورهاً سبباً من أسباب بطلان الصلاة بناءً على اختلافهم في حدّ العورة الواجب ستره في الصلاة، وبيان تفصيلهم في ذلك آتياً:[٤]

  • جمهور العلماء من المالكية والشافعية والحنابلة: قالوا بعدم بطلان الصلاة بسبب ظهور ركبة الرجل في الصلاة، وقد استدلّوا بعدّة أدلةٍ بيانها آتياً:[٥]
  • أخرج الإمام مسلم في صحيحه عن المسور بن مخرمة -رضي الله عنه-: (أَقْبَلْتُ بحَجَرٍ أحْمِلُهُ ثَقِيلٍ وعَلَيَّ إزَارٌ خَفِيفٌ، قالَ: فَانْحَلَّ إزَارِي ومَعِيَ الحَجَرُ لَمْ أسْتَطِعْ أنْ أضَعَهُ حتَّى بَلَغْتُ به إلى مَوْضِعِهِ. فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ارْجِعْ إلى ثَوْبِكَ فَخُذْهُ، ولَا تَمْشُوا عُرَاةً)،[٦] فقد أمر النبيّ بستر العورة للرجل بإزارٍ؛ وهو ما يستر ما بين الرُكبة والسرّة.
  • أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه-: (خَرَجْتُ مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بَعْضِ أسْفَارِهِ، فَجِئْتُ لَيْلَةً لِبَعْضِ أمْرِي، فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي، وعَلَيَّ ثَوْبٌ واحِدٌ، فَاشْتَمَلْتُ به وصَلَّيْتُ إلى جَانِبِهِ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: ما السُّرَى يا جَابِرُ فأخْبَرْتُهُ بحَاجَتِي، فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ: ما هذا الِاشْتِمَالُ الذي رَأَيْتُ، قُلتُ: كانَ ثَوْبٌ -يَعْنِي ضَاقَ- قَالَ: فإنْ كانَ واسِعًا فَالْتَحِفْ به، وإنْ كانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ بهِ)،[٧] فقوله: (فَاتَّزِرْ بهِ) يدلّ على وجوب ستر ما بين السرّة والرُكبة.

إلّا أنّ جمهور العلماء اختلفوا في بعض التفاصيل بيانها آتياً:

  • المالكية: قالوا بعدم بطلان صلاة الرجل بسبب ظهور الركبة وانكشافها، فلا يجب عليه إعادة الصلاة بل يستحبّ له.
  • الشافعية والحنابلة: قالوا بعدم بطلان صلاة الرجل بسبب ظهور الرُكبة، إذ إنّهم حدّدوا عورة الرجل الواجب سترها في الصلاة ما بين السرّة والرُكبة، وبيّنوا أنّهما ليستا من العورة بل ما بينهما، إلّا أنّه لا بدّ من ستر جزءٍ منهما، أمّا المرأة فيجب عليها ستر كامل جسدها إلّا وجهها وكفّيها عند الشافعية، وإلّا كفّيها عند الحنابلة.
  • الحنفية: قالوا ببطلان صلاة الرجل بسبب ظهور الرُكبة، إذ قالوا إنّ عورة الرجل الواجب سترها في الصلاة من السرّة إلى الركبة، فالركبة يجب سترها أمّا السرّة فلا، أمّا المرأة فيجب عليها ستر كامل جسدها في الصلاة باستثناء وجهها وباطن كفّيها وظاهر قدمَيها.


المراجع

  1. سورة الأحزاب، آية:31
  2. رواه الألباني، في صحيح أبي داود، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:641، صحيح.
  3. عَبد الله بن محمد الطيّار، عبد الله بن محمّد المطلق، محمَّد بن إبراهيم الموسَى، الفِقهُ الميَسَّر، صفحة 231-230. بتصرّف.
  4. عبد الرحمن الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة، صفحة 172. بتصرّف.
  5. " حدُّ العَورةِ"، الدرر السنية، اطّلع عليه بتاريخ 31/3/2021. بتصرّف.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن المسور بن مخرمة، الصفحة أو الرقم:341، صحيح.
  7. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:361، صحيح.