هل يجوز أن نسجد سجدة شكر بعد كل صلاة؟

أفتى بعض أهل العلم بعدم جواز تعيين سجود الشكر بعد أداء كلّ صلاة؛ وذلك لأنّ مثل هذا الأمر لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا عن صحابته -رضوان الله عليهم-، ولو فعلوه لأشار أهل العلم إلى ذلك في كتبهم ومصنفاتهم، ولانتشر العمل به بين عموم المسلمين، ويلزم للقول بجواز فعل هذا أن يرد خبر صحيح، لذا عدّ هؤلاء العلماء أداء سجود الشكر دبر كل صلاة من البدع التي يتعيّن تركها.[١]


ومن قال باستحباب سجود الشكر قرن الاستحباب بتجدّد نعمة ما، أو حصول مسرّة، أو اندفاع نقمة، سواء كان ذلك خاصّاً بالساجد نفسه، أو عامّة للمسلمين؛ أمّا السجود بلا سبب فهذا ممّا لا أصل له، والأكمل للمسلم صلاة ركعتين أو أكثر-يُسلم بين كل ركعتين-، إذا أراد شكر الله -تعالى-؛ فهذا مشروع ولا حرج فيه، وهو من الأمور الطيّبة، أمّا السجود المُفرد فلا يُفعل بلا سبب؛ بل يتعيّن حصول السبب الموجب له؛ كسجود التلاوة، وسجود الشكر.[٢]


ومما يُجدر التنبيه إليه أنّ بعض أهل العلم قيّدوا النعم التي يُستحب لها أداء سجود الشكر؛ بالنِّعم الجديدة الظاهرة، أمّا النِّعم الدائمة السابقة لا يُشرع لها سجود الشكر؛ ومن ذلك نعمة التوفيق لأداء الصلوات الخمس المفروضة؛ والسبب في قولهم هذا أنّ النعم لا تنقطع.[٣]


والقول باستحباب الشكر لكل نعمة ظاهرة وباطنة، دائمة وعارضة، سابقة أو جديدة؛ يلزم منه بقاء المسلم في سجود دائم، وحياة المسلم فيها العديد من الأعمال والوظائف، التي تستدعي الاشتغال بها، وأدائها، والسعيّ إليها، وبمجرد النظر في هذه الحكمة لوحدها هو من باب النعم أيضاً، فالحمد والشكر لله دائماً وأبداً.[٣]


حكم سجود الشكر

تعددت آراء أهل العلم في حكم سجود الشكر؛ فمنهم من قال بالاستحباب، ومنهم من قال بالكراهة، ومنهم من قال بعدم المشروعيّة أصلاً؛ وفيما يأتي بيان ذلك:


القول بمشروعيّة واستحباب سجدة الشكر

ذهب الإمام الشافعيّ والإمام أحمد، وبعض الحنفيّة، وبعض المالكيّة، وجمعٌ من أهل العلم؛ إلى القول بمشروعيّة سجود الشكر واستحبابه؛ وذلك استدلالاً بالآتي:[٤]

  • فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ حيث ورد عن أبي بكرة -رضي الله عنه- أنّه قال: (كان -يقصد النبي صلى الله عليه وسلم- إذا جاءه أمرٌ سرورٌ أو بُشِّرَ به، خرَّ ساجدًا شاكرًا للهِ).[٥]
  • فعل الصحابة -رضوان الله عليهم-؛ فقد سجد أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- يوم اليمامة، عندما جاءه خبر قتل مسيلمة الكذّاب، كما سجد علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عندما رأى أحد المفسدين مثيري الفتن بين القتلى، وغير ذلك من المواقف التي وردت عن جماعة من الصحابة.


القول بعدم مشروعيّة سجدة الشكر

ذهب الإمام أبو حنيفة، والإمام مالك على المشهور عنه؛ أنّ سجود الشكر غير مشروع؛ ويُكره القيام به، وذلك للأسباب الآتية:[٤]

  • استند الإمام مالك في قوله هذا إلى عمل أهل المدينة؛ حيث لم يرد عن أحد من المسلمين فتح الله عليه بالغزو خرّ ساجداً، وما ورد عن أبي بكر -رضي الله عنه- لم يثبت.
  • ما ثبت في قصة الرجل الذي جاء يشكو القحط للنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يخطب؛ فرفع النبي يديه ودعا؛ فأُمطروا، ولم يرد أنّ أحداً من الحاضرين سجد لذلك، فلمّا استمرّ الغيث جاء الرجل يشكو للنبي -صلى الله عليه وسلم- تهدّم البيوت، وتقطّع السُبل؛ فدعا النبي لتوقف نزول الماء، فتوقف؛ ولم يرد أنّ أحداً من الحاضرين سجد لذلك أيضاً.
  • إنّ القول بمشروعيّته فيه كلفة، وذلك يوقع الحرج.

المراجع

  1. مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 9476، جزء 11. بتصرّف.
  2. ابن باز، فتاوى نور على الدرب، صفحة 471، جزء 10. بتصرّف.
  3. ^ أ ب عبد الكريم الخضير، شرح المحرر في الحديث، صفحة 3، جزء 31. بتصرّف.
  4. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 246-247، جزء 24. بتصرّف.
  5. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن أبي بكرة نفيع بن الحارث ، الصفحة أو الرقم:2774، سكت عنه فهو صالح وصححه الألباني.