الصلاة على جنابة
حكمها
شدّد أهل العلم في مسألة الصلاة على جنابة؛ فلا يصحّ ولا يجوز للجُنب أن يُصلي دون طهارة، وقد أجمع العلماء على تحريم الصلاة -فريضة أو نافلة- على المُحدث؛ سواء أكان عالماً بحدثه، أو جاهلاً، أو ناسياً،[١] وحتى لو أدّى الصلاة بشكل صوريّ أمام الناس فقط.[٢]
ومن فعل ذلك مستحلاً له مستهيناً بدين الله -تعالى- وشريعته؛ فإنّه يكفر كما حُكيَ عن أبي حنيفة، أمّا عند الجمهور فلا يكفر،[٣] إلا أنّ العقوبة المغلّظة تجب بحقّه؛ فإن كان قادراً على غسل الجنابة وجب عليه الاغتسال، أمّا إنْ خاف على نفسه من الماء؛ لمرض أو ضرر أو برد أو نحو ذلك تيمم.[٤]
أدلة التحريم
ويمكن ذكر الأدلة التي بيّنت حرمة أداء الصلاة وقت الجنابة على النحو الآتي:[٥]
- قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا...)؛[٦] وفي هذه الآية جاء الأمر بالطهارة عند القيام للصلاة.
- ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (لَا تُقْبَلُ صَلَاةُ مَن أحْدَثَ حتَّى يَتَوَضَّأَ...)؛[٧] ويوضح أبو هريرة معنى الحدث في هذا الحديث؛ فيقول بأنّه: "فُسَاءٌ أوْ ضُرَاطٌ"، فإن كانت الطهارة واجبة على من أحدث حدثاً أصغر، فمن باب الأولى أن تكون واجبة على من أحدث حدثاً أكبر.
- ما ثبت عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّه قال: (أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ وعُدِّلَتِ الصُّفُوفُ قِيَامًا، فَخَرَجَ إلَيْنَا رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-، فَلَمَّا قَامَ في مُصَلَّاهُ، ذَكَرَ أنَّه جُنُبٌ، فَقالَ لَنَا: مَكَانَكُمْ ثُمَّ رَجَعَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ خَرَجَ إلَيْنَا ورَأْسُهُ يَقْطُرُ، فَكَبَّرَ فَصَلَّيْنَا معهُ).[٨]
- ما ثبت عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّه قال: (... إنِّي سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- يقولُ: لا تُقْبَلُ صَلاةٌ بغيرِ طُهُورٍ...).[٩]
صلاة الجنب فاقد الطهورين
بعد الإشارة إلى تحريم أداء الصلاة على الجُنب الذي لم يتطهر بالغسل أو التيمم؛ وجب التنبيه إلى حكم صلاة الجُنب فاقد الطهورين؛ أيّ الذي لم يجد ماءً للطهارة، أو تراباً طاهراً أو ما يقوم مقامه؛ كأن يُحبس في مكان لا يوجد فيه أحد الطهورين، أو أن يكون في موضعٍ نجس لا يجد فيه ما يُتطهر به، أو نحو ذلك من الأعذار المُعتبرة؛ فقد تعددت آراء العلماء في حكم صلاته على جنابة، ومن غير طهارة مع فقدانه للطهورين؛ ويمكن تلخيص أقوالهم على النحو الآتي:[١٠]
- ذهب جمهور العلماء إلى أنّ صلاة فاقد الطهورين واجبة، ولا تسقط عنه لحُرمة الوقت؛ ويجب عليه إعادتها بعد تحقّق الطهارة على رأي الحنفيّة والشافعيّة، بينما اختار الحنابلة عدم وجوب إعادتها.
- ذهب المالكيّة إلى أنّ الصلاة ساقطة عن فاقد الطهورين؛ وسقوطها يكون أداءً وقضاءً.
وعلى ما تقدّم جاز للجُنب ومن كان مُحدثاً أداء الصلاة دون طهارة، في حال فقد الماء أو التراب أو ما يقوم مقامه، وليس عليه شيء على ظاهر أقوال العلماء، إلا أن يقضي ما أدّاه من الصلوات دون طهارة على رأي بعض أهل العلم؛ وهو الأكمل والأفضل والأحوط.
ما يُحرم على الجنب من العبادات
ذهب أهل العلم إلى أنّ الجُنب يُحرم عليه أداء بعض العبادات؛ التي يُشترط فيها الطهارة قبل الأداء -على رأي غالبية الفقهاء-؛ ومن هذه الأعمال:[١١]
- الصلاة -وسبق التّفصيل في مسائلها-.
- سجود التلاوة.
- الطواف حول الكعبة.
- مسّ القرآن الكريم.
- الاعتكاف في المسجد.
- تلاوة القرآن الكريم بقصد التلاوة
يحرم على الجنب تلاوة القرآن الكريم بقصد التلاوة، ولو كان ذلك لبعض الكلمات أو جزء من آية كريمة؛ وهو المختار عند الحنفيّة والشافعيّة، أمّا إن كان قصده الدعاء أو الثناء أو الذكر، أو جرى على لسانه دون تعمّد؛ فلا يُحرم عليه ذلك، ويمكن الاطلاع على كتاب "الفقه الإسلامي وأدلته"؛[١٢] للنظر في تفصيل المسألة ورأي بقيّة الفقهاء وضابطهم فيها.
المراجع
- ↑ دبيان الدبيان، موسوعة أحكام الطهارة، صفحة 252، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ عبد الله بن صالح الفوزان، منحة العلام في شرح بلوغ المرام، صفحة 323، جزء 2. بتصرّف.
- ↑ ابن الملقن، الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، صفحة 225، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ ابن تيمية، مجموع الفتاوى، صفحة 295، جزء 21. بتصرّف.
- ↑ دبيان الدبيان، موسوعة أحكام الطهارة، صفحة 251-252، جزء 11. بتصرّف.
- ↑ سورة المائدة، آية:6
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:135، صحيح.
- ↑ رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:275، صحيح.
- ↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:224، صحيح.
- ↑ مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 273، جزء 14. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 537-540، جزء 1. بتصرّف.
- ↑ وهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وأدلته، صفحة 538-539، جزء 1. بتصرّف.