حكم الدعاء بعد الصلاة

ذهب جمهور أهل الفقه إلى أنّ الدّعاء بعد الصلاة المفروضة مستحبٌ، وعدّوه موطناً من مواطن الإجابة،[١] ومن الأدلة على ذلك ما جاء في الحديث عن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- قال: (قِيلَ يا رسولَ اللهِ: أيُّ الدعاءِ أسمَعُ؟ قال: جَوفَ الليلِ الآخِرِ، ودُبُرَ الصلواتِ المكتوباتِ).[٢][٣]


واستدلّوا كذلك بما رواه الحارث بن مسلم التميمي -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا صلَّيْتَ المغربَ فقُلْ قبْلَ أنْ تُكَلِّمَ أحدًا: اللَّهمَّ أجِرْني مِن النَّارِ سبعَ مرَّاتٍ فإنَّك إنْ مِتَّ مِن ليلتِك تلك كتَب اللهُ لك جوازًا مِن النار، وإذا صلَّيْتَ الصُّبحَ فقُلْ قبْلَ أنْ تُكلِّمَ أحدًا: اللَّهمَّ أجِرْني مِن النَّارِ سبعَ مرَّاتٍ فإنَّك إنْ مِتَّ مِن يومِك ذلك كتَب اللهُ لك جوازًا مِن النَّارِ).[٤][١]


وفي الحديث الصحيح عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- أنّه قال: (كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، أَحْبَبْنَا أَنْ نَكُونَ عن يَمِينِهِ، يُقْبِلُ عَلَيْنَا بوَجْهِهِ، قالَ: فَسَمِعْتُهُ يقولُ: رَبِّ قِنِي عَذَابَكَ يَومَ تَبْعَثُ -أَوْ تَجْمَعُ- عِبَادَكَ)،[٥] حيث يؤكّد الحديث على مشروعية الدّعاء بعد إتمام الصلاة، ويصف حرص النبي الكريم على استغلال هذا الوقت بإظهار الخشية من الله -سبحانه-.[٦]


وجاء عند الغزالي في إحياء علوم الدين: "قال أبو هريرة -رضي الله عنه- إنّ أبواب السماء تفتح عند زحف الصفوف في سبيل الله تعالى، وعند نزول الغيث، وعند إقامة الصلوات المكتوبة؛ فاغتنموا الدعاء فيها، وقال مجاهد: إنّ الصلاة جعلت في خير الساعات؛ فعليكم بالدعاء خلف الصلوات".[٧]


وذهب بعض أهل العلم إلى أنّ الدّعاء بعد صلاة الفريضة أفضل منه بعد صلاة التّطوع؛ وفي هذا روى الطبري عن جعفر بن محمد قوله: "الدعاء بعد المكتوبة أفضل من الدعاء بعد النافلة كفضل المكتوبة على النافلة".[٨]


موقف الإمام ابن تيمية من الدّعاء بعد الصلاة

يرى الإمام ابن تيمية أنّ المقصود بدبر الصلوات الواردة في الحديث: (قِيلَ يا رسولَ اللهِ: أيُّ الدعاءِ أسمَعُ؟ قال: جَوفَ الليلِ الآخِرِ، ودُبُرَ الصلواتِ المكتوباتِ)،[٢] آخر جزء منها أو ما يلي آخر جزء منها، والدّبر عقِب الشيء، أيّ: الجزء المؤخّر منه، وبناء عليه؛ فالحديث يقصدُ الدّعاء قبل التسليم، لا بعده.[٩]


وبناءً على هذا الفهم ذهب الإمام ابن تيمية إلى المشروع بعد التّسليم الأذكار المأثورة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، والإتيان بها أوْلى من الشروع بالدّعاء، ووافقه في هذا تلميذه ابن القيّم؛ حيث يرى أنّ المشروع بعد الفراغ من الصلاة الذكر المأثور من الاستغفار والتسبيح والتحميد والتهليل والتكبير، فهذا شرع بيّن، وسنة متواترة، ورغم ذلك فإنّه لا يمنع المصلي من الدعاء بما يفتح الله عليه من الأدعية بعد الصلاة.[١٠]


والمسألة بتفصيلها عند الإمام ابن تيمية حقّقها أهل العلم، وناقشوا أدلته التي قامت في خلاصتها على تحديد معنى دبر الصلوات؛ هل يقصد بها آخر الصلاة قبل التسليم؟ أم بعد التسليم؟ ومثاله ما جاء ببعض الأحاديث السابقة، ومنها أيضاً ما جاء عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له: (أُوصيكَ يا مُعاذُ، لا تَدعَنَّ في دُبرِ كلِّ صَلاةٍ أنْ تَقولَ: اللَّهمَّ أعِنِّي على ذِكرِكَ، وشُكرِكَ، وحُسنِ عِبادتِكَ).[١١][١٠]

المراجع

  1. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية (الطبعة 2)، صفحة 227-228، جزء 39. بتصرّف.
  2. ^ أ ب رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي أمامة الباهلي، الصفحة أو الرقم:3499 ، حسن.
  3. الشوكاني ، تحفة الذاكرين بعدة الحصن الحصين، صفحة 69. بتصرّف.
  4. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن الحارث بن مسلم التميمي، الصفحة أو الرقم:2022، أخرجه في صحيحه.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن البراء بن عازب، الصفحة أو الرقم:709، صحيح.
  6. فريق الموقع، "شروح الأحاديث"، الدرر السنية شروح الأحاديث، اطّلع عليه بتاريخ 3/4/2023. بتصرّف.
  7. أبو حامد الغزالي ، إحياء علوم الدين، بيروت:دار المعرفة، صفحة 304، جزء 1.
  8. ابن بطال (2003)، شرح صحيح البخاري (الطبعة 2)، الرياض:مكتبة الرشد، صفحة 94، جزء 10. بتصرّف.
  9. ابن تيمية (2004)، مجموع الفتاوى، المدينة المنورة:مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، صفحة 499، جزء 22. بتصرّف.
  10. ^ أ ب "حكم الدعاء بعد الصلاة"، إمام المسجد، اطّلع عليه بتاريخ 3/4/2023. بتصرّف.
  11. رواه الحاكم، في المستدرك على الصحيحين، عن معاذ بن جبل، الصفحة أو الرقم:5282 ، صحيح الإسناد.