إنّ صلاةَ قيامِ الليل كانت في أوّل عهد النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فرضاً عليه وعلى عامّة المسلمين؛ وقدّ دلّ على ذلك الآيات الأولى التي ذُكرت في مطلع سورة المزمّل حيث قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ* قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا)،[١] إذ مكث النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأصحابُه الكرام رضوان الله عليهم يقومون الليلَ عاماً كاملاً، حتّى أنزل الله تعالى التّخفيف بنسخِ حُكم أوّل الآيات في السّورة بآخر آيةٍ فيها؛ إذ كان في أوّلها الوجوب، فصار في آخرها الاستحباب؛ حيث ورد عن أمّ المؤمنين عائشة في الحديث الذي تتحدّث فيه عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمّا سُئلت عن قيامِه: (أَنْبِئِينِي عن قِيَامِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَتْ: أَلَسْتَ تَقْرَأُ يا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ؟ قُلتُ: بَلَى، قالَتْ: فإنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ افْتَرَضَ قِيَامَ اللَّيْلِ في أَوَّلِ هذِه السُّورَةِ، فَقَامَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَأَصْحَابُهُ حَوْلًا، وَأَمْسَكَ اللَّهُ خَاتِمَتَهَا اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا في السَّمَاءِ، حتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ في آخِرِ هذِه السُّورَةِ التَّخْفِيفَ، فَصَارَ قِيَامُ اللَّيْلِ تَطَوُّعًا بَعْدَ فَرِيضَةٍ)،[٢][٣] حيث صار قيام الليل من النوافل، الذي هو سنة مؤكدة عن النبي صلى الله عليه.[٤]


ما الحكمةُ من التخفيف في قيامِ الليل؟

إن الحِكمة الرئيسة من تخفيف قيامِ الليل هي رفع الحرج والمشقة المترتبةُ على القيامِ الطويل ليلاً، حيث قال الله تعالى في آخر آية من سورة المزمل: (عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّـهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ)،[٥] فقد ذكر الله تعالى في هذه الآية ثلاثة أسباب لتخفيف قيام الليل على المسلمين، كلها داخلة ضمن رفع الحرج والمشقة، وهذه الأسباب هي:[٦]

  • المرض: إذ إنّ المريض يصعُبُ عليه القيام الطويل والسهر في الليل، وهذا ممّا يزيد تعبُه وعناؤه، ويكثّرُ من آلامِه وأوجاعِه.
  • التّجارةُ: إذ إنّ التجار يسعونَ في نهارِهم لكسبِ مقاصِد عيشِهم ورزقِهم؛ واللّيل للرّاحة بالنسبة لهم من كدّ النّهار.
  • الجهاد: إذ إنّ المجاهدين في سبيلِ الله تعالى منشغِلون نهاراً وليلاً في الجهاد، والجهاد عملٌ شديد؛ لذلك لو قاموا الليل لما استطاعوا أن يقوموا بأعمالهم الجهاديّة على أتمّ وجه في سائر النّهار.

وهناك وجهٌ لربطِ التجارة بالجهاد في الآية؛ إذ إنّ التجار السّاعين لأعمالهم يقاربُون المجاهِدين في سبيلِ الله تعالى في الأجر والثّواب عند الله تعالى.


فضل قيام الليل

يعدّ قيام الليل من أعظم النوافل وأجلّ القربات، فهي عبادة جاء الترغيب بها، والحثّ على المحافظة عليها، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يداوم عليها ويوصي أصحابه بها، وقد مدح الله تعالى في كتابه العزيز من يداومون على قيام الليل وأثنى عليهم، وفضّلهم على غيرهم في المكانة، فهو علامة على تقوى العبد وإيمانه، وسبب لدخول الجنة، وتكفير السيئات ومحوها، وانشراح النفس واطمئنانها، وحفظها من الوقوع في الشهوات، فصلاة قيام الليل أفضل صلاة بعد صلاة الفريضة، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وأَفْضَلُ الصَّلاةِ، بَعْدَ الفَرِيضَةِ، صَلاةُ اللَّيْلِ).[٧][٨]


المراجع

  1. سورة المزمل، آية:1-2
  2. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أم المؤمنين عائشة، الصفحة أو الرقم:746، صحيح.
  3. "قيام الليل فضائله عظيمة"، إسلام ويب، 19/9/2004، اطّلع عليه بتاريخ 17/9/2021. بتصرّف.
  4. محمد بن إبراهيم التويجري، مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة، صفحة 532. بتصرّف.
  5. سورة المزمل، آية:20
  6. محمد علي السايس، كتاب تفسير آيات الأحكام للسايس، صفحة 826. بتصرّف.
  7. رواه الألباني، في صحيح الترمذي، عن عبد الله بن سلام، الصفحة أو الرقم:2485، صحيح.
  8. محمد نصر الدين عويضة، فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب، صفحة 648-650. بتصرّف.