الفرق بين الماء الطاهر والطهور

ذهب جمهور الفقهاء إلى التفريق بين الماء الطاهر والماء الطهور، واختار بعضهم عدم التفريق بينهما؛ واعتبروا أنّ كلاً منهما يحمل ذات المعنى والمقصد، ويمكن بيان الفرق بين الماء الطاهر والطهور -بحسب رأي من قال بالتفريق- على النحو الآتي:


الماء الطهور

يُعرف الماء المستخدم في العبادات والعادات بالماء الطهور، بحيث يجوز الوضوء به، والاغتسال من الجنابة أو الحيض، كما يجوز استعماله في تطهير النجاسة الواقعة على البدن، أو على الثوب أو نحو ذلك،[١] وقيل هو الماء الذي نزل من السماء أو نبع من الأرض، ولم تتغيّر أحد أوصافه الثلاثة -اللون، والطعم، والرائحة- بشيء يسلب طهوريّته.[٢]


ولقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ الماء الطهور هو الطاهر في نفسه والمطهر لغيره، واستدلوا بالأدلة الآتية:[٣]

  • قوله -تعالى-: (... وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا)،[٤] إذ إنّ المقصود بالطهور الماء الذي يُتطهر به، بدليل الآية الأخرى المفسّرة لمعنى هذه الآية؛ قال -تعالى-: (... وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّنَ السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ...).[٥]


  • قوله -صلى الله عليه وسلم-: (أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا، فأيُّما رَجُلٍ مِن أُمَّتي أدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ...)،[٦] ودلالة هذا الحديث واضحة في إظهار خصوصية النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد اختصّ هو وأمته بالتطهر في التراب، ولو كان المقصود بالطهور الطاهر فقط لما كان في ذكر التراب أيّ مزيّة.


  • قوله -صلى الله عليه وسلم- عندما سُئل عن ماء البحر: (... هو الطَّهورُ ماؤهُ، الحلُّ ميتتُه)،[٧] وفي هذا الحديث دلالة على أنّ ماء البحر طاهر مطهر، ولولا فهم الصحابة لذلك من تعبير النبي -صلى الله عليه وسلم- بلفظ الطهور، لما حصلت لهم الإجابة عن سؤالهم.


  • إنّ العرب فرّقت بين اسم الفاعل وصيغة المبالغة؛ فالقاعد يختلف عن القَعُود، ففي الأولى لمن وُجِدَ منه فعل القُعُود، والثانية لمن يتكرر منه ذلك، وعليه وجب التفريق بين الطاهر والطهور من حيث اللزوم والتعدّي؛ فالطهور من الأسماء المتعدّية -فهو يُطهر غيره-، والطاهر من الأسماء اللازمة.


الماء الطاهر

يُعرف الماء المستخدم في العادات دون العبادات بالماء الطاهر، فهو لا يصلح للاستعمال في غسل الجنابة أو الوضوء، كما لا يصحّ استعماله في تطهير النجاسات وإزالة الأوساخ، ولكنه يُستعمل في العادات من الأمور؛ كالشرب، وتنظيف الثياب، ونحو ذلك.[١]


ولقد خالف الحنفيّة الجمهور فقالوا بأنّ الطاهر هو الطهور؛ مستدلين بعدد من الأدلة التي نُورد بعضاً منها فيما يأتي:[٨]

  • قوله -تعالى-: (... وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا)،[٩] فالآية الكريمة تدلّ على أنّ الشراب الطهور هو الشراب الطاهر؛ لأنّ أهل الجنة لا يحتاجون إلى التطهر من حدث أو نجس.


  • قول بعض شعراء العرب في وصف النساء: "عِذَابُ الثَّنَايَا رِيقُهُنَّ طَهُورٌ"؛ فالريق لا يُتطهر به كما هو معلوم، لذا كان المقصود بالطهور الطاهر.


  • أنّ الطهور يُفيد التطهير لكن بصيغة المبالغة؛ فمثلاً في لفظي الشكور والغفور معنىً زائداً ومبالغة لا يحتملها لفظا الشاكر والغافر، لذا فإنّ الطهور فيه زيادة مبالغة عن الطاهر في ذات تطهير الماء، وبذلك يكون الطاهر والطهور يحملان القدرة على الطهار لكنّ الطهور فيه زيادة عن الطاهر لا أنّه مطهر أيضاً.


حكم الماء الطهور

أشرنا فيما سبق أنّ جمهور الفقهاء يرون التفريق بين الماء الطاهر والطهور، وقد ترتب على ذلك التفريق بينهما في استعمالهما بالعبادات والعادات، ويمكن الحديث عن حكم الماء الطهور بالآتي:[١٠]


  • يُستخدم الماء الطهور في رفع الحدثين الأكبر والأصغر، من الوضوء والغسل من الحيض والجنابة ونحو ذلك، كما تُؤدى به الفرائض والمندوبات وسائر العادات الأخرى، وهذا حكم الشرع الذي رتّبه على الماء الطهور.


  • تلحق الأحكام الخمسة -الوجوب والندب والاستحباب والحرمة والكراهة- جميعها بالماء الطهور بحسب استخداماته، والحال المرافقة له، مثال ذلك:
  • أن يُستعمل الماء الطهور للمريض الذي يزداد به مرضه، فهذا حرام.
  • استعماله في تحقيق الطهارة لأداء الصلاة المفروضة فهذا واجب.
  • استعماله لفعل الأمور المسنونة كغسل الجمعة أو غسل العيدين، ونحوها فهذا مندوب.
  • استعماله للوضوء وهو شديد البرودة، أو شديد الحرارة دون ترتيب ضرر على البدن فهذا مكروه؛ لأنّه يصرف المسلم عن الخشوع لله -تعالى- واستحضار القلب.

المراجع

  1. ^ أ ب عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 30، جزء 1. بتصرّف.
  2. عبد الرحمن الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة، صفحة 29، جزء 1. بتصرّف.
  3. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 353-354، جزء 39. بتصرّف.
  4. سورة الفرقان، آية:48
  5. سورة الأنفال، آية:11
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:335، صحيح.
  7. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:69، صححه البخاري وابن خزيمة.
  8. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 354، جزء 39. بتصرّف.
  9. سورة الإنسان، آية:21
  10. عبد الرحمن الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة، صفحة 29-30، جزء 1. بتصرّف.