حكم الصلاة عند مقام إبراهيم

أجمع الفقهاء على مشروعيّة الصلاة خلف مقام إبراهيم -عليه السلام- عند الفراغ من الطواف، ولكن تعددت آراؤهم في حكم ذلك؛ بين كونه واجباً أو سنّة؛ وفيما يأتي بيان آرائهم:[١]


  • القول بالوجوب

ذهب الحنفيّة إلى القول بوجوب ركعتي الطواف خلف مقام إبراهيم -عليه السلام-، فإذا تعسّر على الطائف الصلاة في هذا الموضع بسبب المزاحمة؛ جاز له أن يصليهما في أي موضع من المسجد الحرام، ويُستحبّ أن يدعو بعد ذلك بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، ولا يُجزئ عنهما أداء الصلوات المكتوبة.


كما ذهب المالكيّة في أحد أقوالهم إلى القول بالوجوب، وقيل ركتا الطواف واجبتان في الطواف الواجب، وسنيّتان في الطواف المسنون؛ ويُندب أداؤهما خلف المقام فقط، لا داخله ولا في غيره من أماكن المسجد الحرام.


ومن الجدير بالذكر أنّ الشافعيّة في أحد أقوالهم قالوا بالوجوب استدلالاً بفعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، واستدلالاً بقوله -عليه السلام-: (خُذُوا عني مَناسِكَكم)،[٢] ولكنّهم مع قولهم بالوجوب ذهبوا إلى صحّة الطواف بدون هاتين الركعتين؛ إذ لم يعدّوهما من شروط أو أركان الطواف.


  • القول بالسنيّة

ذهب الشافعيّة إلى القول بأن صلاة ركعتي الطواف خلف مقام إبراهيم -عليه السلام- سنّة، وأداؤهما خلف المقام أفضل تأسياً بفعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن تعذّر ذلك جاز أداؤهما في الحِجِر، ثم في المسجد الحرام، ثم في الحرم بما شاء من المواضع، ويُجزئ عن هاتين الركعتين ركعتا الفريضة، أو سنن الرواتب كما في تحيّة المسجد.


بينما ذهب الحنابلة إلى القول بأفضليّة أداء ركعتي الطواف خلف مقام إبراهيم بعد الانتهاء من الطواف؛ لما ثبت في الصحيح عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-، أنّه قال في صفة حجّ النبي -صلى الله عليه وسلم-: (... حتَّى إذَا أَتَيْنَا البَيْتَ معهُ، اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا، ثُمَّ نَفَذَ إلى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ عليه السَّلَام، فَقَرَأَ: "وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى"، فَجَعَلَ المَقَامَ بيْنَهُ وبيْنَ البَيْتِ...).[٣]


مقام إبراهيم عليه السلام

يُقصد بمقام إبراهيم -عليه السلام-: المقصورة الزجاجية الذهبيّة التي تقع بمواجهة باب الكعبة المشرفة، والتي يظهر فيها أثر قدم النبي إبراهيم -عليه السلام-، وقيل إنّ أصل هذا المقام عائد إلى زمن بناء الكعبة المشرفة على يد النبيين الكريمين إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام-، فقد كان إبراهيم -عليه السلام- يقف على حجر المقام عندما ارتفع بناء الكعبة، فغاصت قدمه فيه وتركت أثراً، ولكن مع مرور الوقت انمحت بعض آثارها، وبقيت على الهيئة التي تظهر فيها اليوم.[٤]


وقد كان تشريع الصلاة خلف مقام الخليل إبراهيم -عليه السلام- موافقاً لرأي وإشارة الصحابي الجليل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، حيث ثبت في صحيح البخاري أنّه قال في موافقاته لتشريع الله -سبحانه-: (وافَقْتُ رَبِّي في ثَلَاثٍ: فَقُلتُ يا رَسولَ اللَّهِ، لَوِ اتَّخَذْنَا مِن مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، فَنَزَلَتْ: "وَاتَّخِذُوا مِن مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى"...).[٥][٦]


وتجدر الإشارة إلى أنّ الله -تعالى- قد جعل للمقام فضلاً عظيماً، بيّنه القرآن الكريم والسنة النبويّة المطهرة، ونذكر من ذلك:[٧]

  • إنّ الله -تعالى- جعله آية بيّنة في المسجد الحرام؛ قال -تعالى-: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ* فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ...).[٨]
  • إنّ المقام ياقوتة من يواقيت الجنّة؛ بدليل قوله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ الركنَ والمقام ياقوتتان من الجنَّةِ، طمس اللهُ تعالى نورَهما، ولو لم يَطمِسْ نورَهما لأضاءَتا ما بين المشرقِ والمغرب).[٩]

المراجع

  1. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 340-342، جزء 38. بتصرّف.
  2. رواه النسائي، في السنن الكبرى، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:3062، قال ابن الملقن إسناده صحيح.
  3. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جابر بن عبد الله، الصفحة أو الرقم:1218، صحيح.
  4. موسى شاهين لاشين، فتح المنعم شرح صحيح مسلم، صفحة 306، جزء 9. بتصرّف.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:402، صحيح.
  6. خالد المزيني، المحرر في أسباب نزول القرآن من خلال الكتب التسعة، صفحة 213-214، جزء 1. بتصرّف.
  7. التقي الفاسي، شفاء الغرام بأخبار البلد الحرام، صفحة 279، جزء 1. بتصرّف.
  8. سورة آل عمران، آية:96-97
  9. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن عبد الله بن عمرو، الصفحة أو الرقم:878، صححه الألباني.