حكم سلس البول في الصلاة

ذهب أهل العلم إلى أنّ المصاب بسلس البول أو من في حكمه -كسلس الريح أو المستحاضة- يتطهر لأداء الصلاة عند دخول الوقت لا قبل ذلك، مع وضع حاجز يقي الثياب من وصول النجاسة إليها؛ فالرجل يتخذّ ما يناسبه من الوسائل، وكذلك المرأة؛ فيمكن وضع قطعة قماش، أو حافظة قطنية أو واقٍ أو نحو ذلك، كما يجب الاستنجاء والوضوء لكل صلاة مفروضة، بحيث لا يُصلّى في هذا الوضوء فرضان،[١] ويمكن أداء النوافل مع الفريضة على حسب بقاء الطهارة.[٢]


وفي حال لم يخرج منه شيء فيمكنه أداء صلاة مفروضة أخرى، وكذلك لو كان سلس البول ينقطع في وقت محدد؛ فإنّ على المصاب الوضوء وأداء الصلاة في هذا الوقت حتى وإن فاتته صلاة الجماعة؛[١] إذ إنّ الوضوء شرط للصلاة، والجماعة واجبة؛ والشرط مقدّمٌ على الواجب.


وتجدر الإشارة إلى أنّ من كان سلسه مستمراً لا ينقطع؛ فإنّه يتوضأ عند دخول الوقت ويُصلي، حتى لو خرج منه الحدث؛ فالله -سبحانه وتعالى- قال في كتابه العزيز: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ...).[٣][٤]


وقد استدلّ الجمهور في اشتراط الوضوء لكل صلاة بعدد من الأدلة والنصوص الشرعيّة -قياساً على الاستحاضة[٥]-، نذكر منها ما ثبت عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (جَاءَتْ فَاطِمَةُ بنْتُ أبِي حُبَيْشٍ إلى النبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فَقالَتْ: يا رَسولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فلا أطْهُرُ أفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقالَ رَسولُ اللَّهِ: لَا، إنَّما ذَلِكِ عِرْقٌ، وليسَ بحَيْضٍ، فَإِذَا أقْبَلَتْ حَيْضَتُكِ فَدَعِي الصَّلَاةَ، وإذَا أدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ ثُمَّ صَلِّي -قالَ: وقالَ أبِي: - ثُمَّ تَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ، حتَّى يَجِيءَ ذلكَ الوَقْتُ).[٦][٧]


حكم إمامة من به سلس البول

اتفق أهل العلم على جواز صلاة الإمام السليم بالمأموم المصاب بالسلس، ولكن تعددت آراؤهم في إمامة المصاب بالسلس في المأموم السليم؛ فمنهم من قال بالجواز، ومنهم من قال بعدم الجواز، ويمكن بيان ذلك على النحو الآتي:


رأي من قال بالجواز

أجاز بعض أهل العلم إمامة من كان به سلس بول مستمر، ولا يمكن الطهارة منه على نحوٍ يتسع لأداء الصلاة، بشرط أن يكون قد توضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، واتقى النجاسة في ثوبه بالتحفّظ أو نحوه -كما أشرنا في بداية المقال-، وذلك لأنّ هذا المصاب بالسلس صلاته صحيحة في حقّ نفسه، فيصحّ قدوة السليم المعافى بالمصاب بالسلس؛ لأنّ صلاة المعذور معفيٌ عنها في حقّ صاحبها، فيُعفى عنها في حقّ غيره.[٨]


وبهذا تكون صلاة هذا المصاب صحيحة بالشروط المذكورة، وإمامته أيضاً صحيحة، ولا يلزم المأمومين شيء بهذه الإمامة؛ وهو مذهب المالكيّة في المشهور، ومذهب الشافعيّة في الأصحّ عندهم، ولكنّ المالكيّة قالوا بالجواز مع كراهة صلاة أصحاب الأعذار بالأصحّاء، وقد استدلّ القائلون بالجواز على ذلك بإمامة عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وقد كان مصاباً بسلس المذيّ.[٨]


رأي من قال بالمنع

ذهب الحنفيّة والحنابلة والشافعيّة في أحد أقوالهم إلى أنّه لا يجوز لأصحاب الأعذار الإمامة بالأصحّاء؛ لأنّ العذر في حقّهم كالمعدوم لحاجتهم إلى أدائه، ولكنّه في الحقيقة واقع وموجود، لذا فإنّ القول بجواز الصلاة مع وجود الحدث -سلس البول- لا يتعدّاهم إلى غيرهم، فالضرورة تقدّر بقدرها، والصحيح السليم أقوى من المعذور، فلا يُقدّم الضعيف ولا يُبنى به على القويّ.[٨]

المراجع

  1. ^ أ ب عبد العزيز بن عبد الله الراجحي، شرح عمدة الفقه، صفحة 18، جزء 5. بتصرّف.
  2. البهوتي، الروض المربع بشرح زاد المستقنع، صفحة 186-187، جزء 1. بتصرّف.
  3. سورة التغابن، آية:16
  4. عبد العزيز بن عبد الله الراجحي، فتاوى منوعة، صفحة 18، جزء 19. بتصرّف.
  5. دبيان الدبيان، موسوعة أحكام الطهارة، صفحة 62، جزء 2.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:228 ، صحيح.
  7. دبيان الدبيان، موسوعة أحكام الطهارة، صفحة 305، جزء 9.
  8. ^ أ ب ت مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 190، جزء 25. بتصرّف.