حكم قصر الصلاة الرباعية للمسافر

اتفق الفقهاء على مشروعيّة قصر الصلاة للمسافر، وتعددت آراؤهم في حكمها؛ فمنهم من يرى القصر سنة، ومنهم من يراه فريضة، ومنهم من يراه أمراً جائزاً مباحاً؛ وفيما يأتي بيان هذه الآراء:[١]


  • ذهب الحنفيّة إلى القول بفرضيّة قصر الصلاة للمسافر؛ فلا يجوز له أن يُتمّ الصلاة الرباعيّة، وإن أتمّها فهو آثم، وقد استدلّوا على ذلك بما ثبت عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- حين قالت: (فُرِضَتِ الصَّلَاةُ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ في الحَضَرِ وَالسَّفَرِ، فَأُقِرَّتْ صَلَاةُ السَّفَرِ، وَزِيدَ في صَلَاةِ الحَضَرِ).[٢]
  • ذهب المالكيّة في المشهور عندهم إلى القول بأنّ قصر الصلاة في السفر سنّة مؤكدة.
  • ذهب الشافعيّة والحنفيّة إلى القول بأنّ قصر الصلاة في السفر أمرٌ جائزٌ؛ وذلك تخفيف عن المسافر لما قد يلحقه من المشقة والتعب في سفره، ولأنّ هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في السفر قصر الصلاة الرباعيّة ركتين.
  • رجّح بعض أهل العلم من المتأخرين أنّ قصر الصلاة سنّة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فإنّ أتمّ المسافر صلاته ولم يقصر فإنّه لا يأثم، لأنّ القاعدة الشرعيّة تنصّ على أنّه: "لا يلزم من ترك المستحب الوقوع في المكروه"، كما قالوا بأفضليّة القصر على الإتمام، اهتداءً واقتداءً بفعل النبي -صلى الله عليه وسلم-.


شروط قصر الصلاة للمسافر

إنّ الأصل في قصر الصلاة أن تكون للصلاة الرباعيّة؛ أيّ صلاة الظهر والعصر والعشاء، بأن تُصلى هذه الصلوات الرباعيّة ركعتين؛ وأدلة ذلك كثيرة متعددة نذكر منها ما صحّ عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، أنّه قال: (صلاةُ الأضحَى رَكْعتانِ، وصلاةُ الجمعةِ رَكْعتانِ، وصلاةُ الفطرِ رَكْعَتانِ، وصلاةُ المسافرِ رَكْعتانِ تَمامٌ غيرُ قَصرٍ على لسانِ نبيِّكم صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، وقد خابَ منِ افترَى).[٣][٤]


ولقد بيّن العلماء شروط قصر الصلاة للمسافر على النحو الآتي:[٥]


  • أن تكون مسافة السفر مبيحة للقصر

تعددت أقوال العلماء في تحديد مسافة السفر المبيحة للقصر؛ ولكنّ الراجح على رأي الجمهور -من المالكيّة والشافعيّة والحنابلة؛ أن تكون مسافة السفر مسيرة يومين فأكثر، وهي ما تقدر حالياً بثمانين كيلو متراً؛ لأنّ مسافة اليومين تحتاج إلى الاستعداد، وفيها مشقة ظاهرة، وبهذا أفتى أيضاً جمعٌ من الصحابة والتابعين.


  • أن يكون السفر مباحاً

تنقسم الأسفار إلى خمسة أنواع؛ وهي: السفر الحرام -لفعل المحرمات-، والسفر المكروه -كالسفر منفرداً-، والسفر المباح -كالسفر للتنزّه-، والسفر الواجب -كالسفر للحجّ-، والسفر المستحبّ -كالسفر لعمرة أو حجّ التطوّع-؛ فينبغي أن يكون السفر مباحاً لجواز القصر؛ أمّا سفر العاصي والفاسق، أو الذي يريد فعل المعاصي والذنوب فيُحرم من رخص السفر؛ من قصر الصلاة، والمسح على الخفّين، والفطر في رمضان ونحو ذلك.


  • مفارقة مكان الإقامة والشروع بالسفر

قال -تعالى-: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ...)،[٦] فالضرب في الأرض لا يكون إلا إذا شُرع في السفر والارتحال، ولا يجوز بدء القصر بمجرد العزم على السفر دون المفارقة، وتكون عقد نيّة القصر على الصحيح عند بعض أهل العلم مع نيّة الإحرام للصلاة المراد أداؤها.


  • أن لا تكون الصلاة قد وجبت بالحضر

إذا وجبت الصلاة في الحضر ولم يصلها المسلم إلا بالسفر؛ فلا يجوز له قصرها والنقصان فيها؛ لأنّ القضاء يُقاس على الأداء، أمّا إذا حضرت الصلاة في سفره جاز له قصرها.


  • أن لا يصلي خلف إمام مقيم

إذا صلّى المسافر خلف إمام مُقيم لزمه الإتمام والاقتداء بالإمام، سواء صّلى خلفه الصلاة كلّها أو جزءٍ منها.


الحكمة من قصر الصلاة

إنّ الحكمة الإلهيّة من تشريع قصر الصلاة في السفر هي رفع المشقّة والحرج عن المسافر؛ وهذه المشقّة حاصلة بسبب السفر، ولا يجوز لأصحاب الأعذار الأخرى -غير المسافرين- الذين تقع عليهم المشقة بسبب مرض أو نحو قصر الصلاة، حتى وإن كانت أحوالهم أشدّ وأعظم من المسافر، إلا أنّ لهم أحكاماً أخرى تتعلق بهم، كما يُباح القصر للمسافر المترفّه؛ الذي يكون سفره بمنتهى الراحة والسهولة -كما في أيامنا هذه-؛ لأنّ القصر رخصة تُباح في السفر وفق الشروط التي أشرنا إليها، وليس من ضمنها تحقق وقوع المشقّة على المسافر.[٧]

المراجع

  1. عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 407-408، جزء 1. بتصرّف.
  2. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:685، صحيح.
  3. رواه ابن خزيمة، في صحيح ابن خزيمة، عن عمر بن الخطاب، الصفحة أو الرقم:544 ، أخرجه في صحيحه.
  4. محمود عبد اللطيف عويضة، الجامع لأحكام الصلاة، صفحة 466، جزء 2. بتصرّف.
  5. عبد الله الطيار، الصلاة وصف مفصل للصلاة بمقدماتها مقرونة بالدليل من الكتاب والسنة، صفحة 185-188. بتصرّف.
  6. سورة النساء، آية:101
  7. دبيان الدبيان، المعاملات المالية أصالة ومعاصرة، صفحة 80، جزء 11. بتصرّف.