صلاة الكسوف هي: الصلاة التي تؤدّى بكيفيةٍ مخصوصةٍ وقت كسوف الشمس، فالكسوف هو: حدثٌ فلكي يخوف الله به عباده، حيثُ يحتجب فيه ضوء الشمْس إمّا كلياً أو جُزئياً، وقيل إنّه احتجابٌ لضوء القمر أيضاً، فيكون الكسوف والخسوف بمعنى واحد، ويُقال إنّ الكسوف خاصٌ بالشمس، بينما الخسوف خاصٌ بالقمر.[١][٢]


حكم صلاة الكسوف

صلاة الكسوف سنةٌ مؤكدةٌ باتفاق العلماء وإجماعهم، استدلالاً بقوله -تعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّـهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)،[٣] على أنّ الأمر بالسجود في الآية محمولٌ على الصلاة والسجود لله -عزّ وجلّ- خالق الشمس والقمر عند كسوفهما، وهو وجهٌ من وجوه التفسير الذي أيّدته السنة النبوية، فقد بيّن النبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- صلاة الكسوف بقوله وفعله، ودليل ذلك ما أخرجه الإمام البخاري في صحيحه عن المغيرة بن شُعبة أنَّه قال: (كَسَفَتِ الشَّمْسُ علَى عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ مَاتَ إبْرَاهِيمُ، فَقالَ النَّاسُ: كَسَفَتِ الشَّمْسُ لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ ولَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ فَصَلُّوا، وادْعُوا اللَّهَ).[٤][٥]


وقت صلاة الكسوف

يبدأ وقت صلاة الكسوف من بدء الكسوف إلى انتهائه، وتُصلّى في أيِّ وقتٍ من بداية حدوث الكسوف، وينتهي وقت صلاة كسوف الشمس بانتهاء كسوفها أو بغروبها، ودليل ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي بكرة نفيع بن الحارث أنَّه قال: (كُنَّا عِنْدَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَانْكَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ حتَّى دَخَلَ المَسْجِدَ، فَدَخَلْنَا، فَصَلَّى بنَا رَكْعَتَيْنِ حتَّى انْجَلَتِ الشَّمْسُ، فَقالَ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ لا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا، فَصَلُّوا، وادْعُوا حتَّى يُكْشَفَ ما بكُمْ).[٦][٧]


كيفية صلاة الكسوف

تؤدّى صلاة الكسوف ركعتان، في كلٍ ركعةٍ قيامان وقراءتان وركوعان وسجودان، يطيل الإمام فيهما القراءة والركوع والسجود، وآتيًا تفصيل كيفيتهما:[٨]

  • تُقرأ في الركعة الأولى سورة الفاتحة وسورةٌ أخرى طويلةٌ.
  • يؤدّى الركوع الأول من الركعة الأولى ويكون طويلاً .
  • يُرفع من الركوع وتُقرأ سورة الفاتحة وسورةٌ طويلةٌ أقصر من السورة الأولى.
  • يؤدّى الركوع الثاني في الركعة الأولى ويكون طويلاً أقصر من الركوع الأول.
  • يُرفع من الركوع الثاني ثمّ تؤدّى سجدتَين طويلتَين، ثمّ يُرفع منهما لأداء الركعة الثانية.
  • تُؤدّى الركعة الثانية كالأولى، إلّا أنّها أخفّ من الأولى في القراءة والركوع، أمَّا في السجود فيُسَّن إطالته في الركعتين.
  • يؤدّى التشهّد بعد الركعة الثانية ويسلّم المصلّي عن اليمين واليسار.
  • يُسَّن أن يخطب الإمامُ بالناس بعد صلاة الكسوف، فيَعِظُهم ويحذِّرهم من الغفلة، ويأمرهم بالإكثار من الدعاء والاستغفار والصدقة حتى يرفع الله -تعالى- هذا الأمر، ويخبرهم أنَّ كسوف الشمس والقمر آيتان من آيات الله -عزَّ وجلَّ- يخوّف بهما عباده، وقد نقلت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- صفة صلاة الكسوف عن النبيِّ -عليه الصَّلاة والسَّلام- فقالت: (كَسَفَتِ الشَّمسُ في حَياةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فخَرَجَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى المسجدِ، فكَبَّرَ، وصَفَّ النَّاسُ وَراءَه، فاقتَرَأ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قِراءةً طَويلةً، ثم كَبَّرَ فركَعَ رُكوعًا طَويلًا، ثم رفَعَ رَأْسَه فقال: سَمِعَ اللهُ لمَن حَمِدَه، ربَّنا ولكَ الحَمدُ، ثم قام فاقتَرَأ قِراءةً طَويلةً هي أدْنى منَ القِراءةِ الأُولى، ثم كبَّرَ فركَعَ رُكوعًا طَويلًا وهو أدْنى منَ الرُّكوعِ الأوَّلِ، وقال: سَمِعَ اللهُ لمَن حَمِدَه، ربَّنا ولكَ الحَمدُ، ثم فعَلَ في الرَّكعةِ الأُخرى مِثلَ ذلك، فاستَكمَلَ أربعَ رَكَعاتٍ وأربعَ سَجَداتٍ، وانجَلَتِ الشَّمسُ قبلَ أنْ يَنصرِف)،[٩] وورد عن الصحابي أبي بكرة نفيع بن الحارث -رضي الله عنه- أنَّه قال: (كنَّا عندَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فانكسفتِ الشَّمسُ، فقامَ إلى المسجدِ يجرُّ رداءَهُ معَ العجلةِ ، فقامَ إليهِ النَّاسُ، فصلَّى رَكْعتينِ كما يصلُّونَ، فلمَّا انجلَت خطبَنا فقالَ: إنَّ الشَّمسَ والقمرَ آيتانِ من آياتِ اللَّهِ يخوِّفُ بِهِما عبادَهُ، وإنَّهما لا ينكَسِفانِ لموتِ أحدٍ، فإذا رأيتُمْ كسوفَ أحدِهِما فصلُّوا وادعوا حتَّى ينكشِفَ ما بِكُم).[١٠]


حكمة مشروعية صلاة الكسوف

شرع الله -تعالى- للمسلمين أداء صلاة الكسوف لحكمٍ عديدةٍ يُذكر منها:[١١]

  • تحقيق العبودية لله -تعالى- والخوف منه واللجوء إليه -عزَّ وجلَّ-، قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (إنَّ الشَّمسَ والقمرَ آيتانِ من آياتِ اللَّهِ يخوِّفُ بِهِما عبادَهُ، وإنَّهما لا ينكَسِفانِ لموتِ أحدٍ فإذا رأيتُمْ كسوفَ أحدِهِما فصلُّوا وادعوا حتَّى ينكشِفَ ما بِكُم)،[١٢] ففي الحديث دلالةٌ واضحةٌ على أنّ هذه الظاهرة تقذف الخوف في قلب المؤمن، فيفزع إلى الله بالصلاة والدعاء والتضرّع واللجوء إليه.
  • امتثال أمر النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- بالصَّلاة عند حدوث الكسوف، واتباع الهدي النبويّ في أدائها.

المراجع

  1. محمد بن إبراهيم التويجري، موسوعة الفقه الإسلامي، صفحة 670-673. بتصرّف.
  2. [سعيد بن وهف القحطاني]، كتاب صلاة الكسوف، صفحة 6. بتصرّف.
  3. سورة فصلت، آية:37
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن المغيرة بن شعبة، الصفحة أو الرقم:1043، صحيح.
  5. لجنة الإشراف العلمي، "حُكمُ صلاةِ كُسوفِ الشَّمسِ"، الدرر السّنيَّة، اطّلع عليه بتاريخ 4/11/2021. بتصرّف.
  6. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي بكرة نفيع بن الحارث، الصفحة أو الرقم:1040، صحيح.
  7. [التويجري، محمد بن إبراهيم]، كتاب موسوعة الفقه الإسلامي، صفحة 672. بتصرّف.
  8. فتاوى الشيخ ابن باز، "صفة صلاة الكسوف"، الإمام ابن باز، اطّلع عليه بتاريخ 5/11/2021. بتصرّف.
  9. رواه شعيب الأرناؤوط، في تخريج سنن الدارقطني، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1788، صحيح.
  10. رواه الألباني ، في صحيح النسائي، عن أبي بكرة نفيع بن الحارث، الصفحة أو الرقم:1501، صحيح .
  11. من فتاوى الشيخ ابن عثيمين، "ما الحكمة من صلاة الكسوف؟ "، طريق الإسلام، اطّلع عليه بتاريخ 5/11/2021.
  12. رواه الألباني ، في صحيح النسائي، عن أبي بكرة نفيع بن الحارث، الصفحة أو الرقم:1501، صحيح .