طهارة الحدث

تُعرف الطهارة في اللغة بالنظافة والنزاهة وإزالة الأوساخ، وتُعرف في الاصطلاح بأنّها رفع الحدث وإزالة النجاسات وما كان في حكمها، بغسل أعضاء مخصوصة على صفة مخصوصة، وقد قسّم أهل العلم الطهارة إلى قسمين؛ طهارة حقيقية، وطهارة حكميّة؛ وهي التي تعنينا في هذا المقال، إذ إنّ طهارة الحدث بنوعيه الأكبر والأصغر هي المراد من الطهارة الحكميّة، أمّا الحدث الأكبر فيُقصد به: الجنابة والحيض والنفاس، والأصغر: حدث البول والغائط والريح، والمذي والوذيّ.[١]


ويُستدلّ على مشروعيّة الطهارة بالعديد من النصوص الشرعيّة؛ ونذكر من القرآن الكريم قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ...).[٢][١]


ومن السنة النبويّة نستدلّ بما ثبت عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- أنّه قال: (... إنِّي سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- يقولُ: لا تُقْبَلُ صَلاةٌ بغيرِ طُهُورٍ...)،[٣] وبما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: (لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ أحَدِكُمْ إذا أحْدَثَ حتَّى يَتَوَضَّأَ).[٤][١] وقد خصّ أهل العلم طهارة الحدث بعدد من المميزات التي تمتاز بها عن غيرها من الطهارات، والتي يمكن تلخيصها بالنقاط الآتية:[٥]

  • طهارة الحدث تكون من باب فعل المأمور.
  • يُشترط لطهارة الحدث النيّة على الصحيح عند أهل العلم، باستثناء الحنفيّة الذين خالفوا ذلك.
  • طهارة الحدث طهارة تعبديّة خالصة غير معقولة المعنى، فالمسلم يلتزم بفعلها تعبداً لله -تعالى-، مع بقاء بدنه وريقه وعرقه طاهراً.
  • لا تسقط طهارة الحدث بالجهل أو النسيان على الصحيح من أقوال أهل العلم.


أهمية الطهارة

ذهب أهل العلم إلى القول بوجوب تحقق الطهارة ورفع الحدث لأداء الصلاة، ومن هنا تأتي أهمية الطهارة التي شرعها الله -تعالى- لعباده، فأداء الصلاة على طهارة فيه تعظيم لأمر الله -تعالى-، وتحقيق للنظافة وحسن الاهتمام بما أمر الله -تعالى- للوقوف بين يديه على نحوٍ يرضيه -سبحانه-، إضافة إلى أنّ المتطهرين قد امتدحهم المولى في كتابه العزيز حين قال: (... إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)،[٦] دلالة على مكانة الطهارة والحفاظ عليها في الشريعة الإسلاميّة.[٧]


ويجدر التنبيه إلى أنّ الحفاظ على الطهارة أيضاً يستوجب النجاة من عذاب القبر؛ فقد ثبت في الصحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه مرّ بقبرين كان أحدهما يُعذب صاحبه من أجل تقصيره في الطهارة، والاستبراء من النجاسة؛ حيث قال -صلوات الله عليه- في حقّهما: (أما إنَّهُما لَيُعَذَّبانِ وما يُعَذَّبانِ في كَبِيرٍ...)، ثم ذكر سبب عذاب المقصّر في الطهارة فقال: (... وأَمَّا الآخَرُ فَكانَ لا يَسْتَتِرُ مِن بَوْلِهِ...).[٨][٧]


ما يتحقق به الطهارة

يمكن للمسلم أن يحقق الطهارة ويرفع الحدث بطهورين اثنين، وهما:[٩]


  • الماء

إنّ التطهر بالماء هو الأصل في الشريعة الإسلاميّة، فكل ماء نزل من السماء أو نبع من الأرض، وبقي على أصل خلقته -من اللون والطعم والرائحة- هو الماء الطهور؛ يرفع الأحداث والأخباث، ولو تغيّر طعمه أو لونه أو ريحه بشيء طاهر بقي أيضاً مطهراً للأحداث والأخباث؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- في ماء البحر الذي اختلط بالأسماك والنباتات وغيرها من الأشياء الطاهرة: (... هو الطَّهورُ ماؤهُ، الحلُّ ميتتُه).[١٠] أمّا إذا اختلط الماء بنجاسة كان نجساً لا تُرفع به الأحداث.


  • الصعيد الطاهر

إذا تعذّر على المسلم استخدام الماء لمرض أو لبرد أو نحوه من الأعذار، أو كان الماء معدوماً أو قليلاً لا يكفي للطهارة، جاز له استخدام التراب الطاهر وما يقوم مقامه لرفع الحدث.

المراجع

  1. ^ أ ب ت عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 15-17، جزء 1. بتصرّف.
  2. سورة المائدة، آية:6
  3. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:224، صحيح.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:6954، صحيح.
  5. دبيان الدبيان، موسوعة أحكام الطهارة، صفحة 415، جزء 2. بتصرّف.
  6. سورة البقرة، آية:222
  7. ^ أ ب كمال ابن السيد سالم، صحيح فقه السنة وأدلته وتوضيح مذاهب الأئمة، صفحة 70-71، جزء 1. بتصرّف.
  8. رواه مسلم ، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:292، صحيح.
  9. سعيد بن وهف القحطاني، صلاة المؤمن، صفحة 7-8، جزء 1. بتصرّف.
  10. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:69، صححه النووي في المجموع والبخاري في تهذيب التهذيب.