فضل صلاة التسابيح

سمّى بعض أهل العلم هذه الصلاة المباركة بصلاة الغفران، ومنهم من سمّاها صلاة التوبة، وأيّاً كانت التسميّة، ففي هذا التعدد دلالة على فضلها في تكفير الذنوب، ومحو الآثام والخطايا بفضل من الله -سبحانه-، ولقد بحث أهل العلم -القائلين بصحّة مشروعيّة صلاة التسابيح- بفضل هه الصلاة؛ فذهبوا إلى أنّ فضلها يعود على ما فيها من تسبيح وذكر؛ وقد جاء في فضل الذكر النصوص العديدة الدالة على ذلك؛ نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:[١]


  • قوله -سبحانه- في كتابه العزيز: (... أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).[٢]
  • قوله -سبحانه-: (... وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا).[٣]
  • قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ألا أنبِّئُكُم بخيرِ أعمالِكُم، وأزكاها عندَ مليكِكُم، وأرفعِها في درجاتِكُم وخيرٌ لَكُم مِن إنفاقِ الذَّهبِ والورِقِ، وخيرٌ لَكُم من أن تلقَوا عدوَّكُم فتضرِبوا أعناقَهُم ويضربوا أعناقَكُم؟ قالوا: بلَى، قالَ: ذِكْرُ اللَّهِ تَعالى).[٤]
  • قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (... أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ كُلَّ يَومٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِن جُلَسَائِهِ: كيفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ قالَ: يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ، فيُكْتَبُ له أَلْفُ حَسَنَةٍ، أَوْ يُحَطُّ عنْه أَلْفُ خَطِيئَةٍ).[٥]


وهذه النصوص الثابتة تبيّن أنّ ذكر الله -تعالى- له الأثر البالغ في تزكية النفوس، وتطهيرها، وتطمينها، وحطّ الذنوب والخطايا، واستحقاق المغفرة وتكفير الآثام؛ إضافةً إلى أنّ الذكر فيه إشغال للسان عن القول الفاحش، وصرف للقلب من الملهيات، وهو قربة من الرحمن، وطرد لوساوس الشيطان، وفي هذا توفيق وسداد، ورفع للدرجات، وهذا كلّه في فضل الذكر، فكيف إذا اجتمع الذكر مع الصلاة وما فيها من سجود وتلاوة للقرآن الكريم! فيكون المسلم بهذه الصلاة المباركة قد جمع نوراً على نور، وأجراً فوق أجر.[١]


أقوال أهل العلم في فضل صلاة التسابيح

تكلّم العديد من أهل العلم في فضل صلاة التسابيح؛ استدلالاً بما تقدّم، واستدلالاً بأثر بركتها في حياتهم، وننقل من هذه الأقوال ما يأتي:

  • "من أراد الجنة فعليه بصلاة التسابيح"؛ وهو قول أحد الأئمة العباد واسمه عبد العزيز بن أبي روّاد.[٦]
  • "ما رأيت للشدائد والغموم مثل صلاة التسابيح"؛ وهو قول أبي عثمان الحيري النيسابوريّ، إمام محدّث لو أقسم على الله لأبرّه كما قال في تراجمه أهل العلم.[٧]
  • "... ينبغي الحرص عليها، وأما من يسمع عظيم الثواب الوارد فيها، ثم يتغافل عنها؛ فما هو إلاَّ متهاون في الدين، غير مكترث بأعمال الصالحين، لا ينبغي أن يعد من أهل العزم في شيء؛ نسأل الله السلامة"؛ وهو قول الإمام تاج الدين السبكيّ.[٨]


صلاة التسابيح

هي صلاة من صلوات النوافل تُؤدى على طريقة خاصة بها؛ بيّنها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد سميّت بصلاة التسابيح أو التسبيح لكثرة التسبيح فيها؛ ففي كلّ ركعة منها خمس وسبعون تسبيحة؛ وقد تعددت أقوال أهل العلم والفقهاء في حكمها؛ لتعدد آرائهم في صحّة الحديث الوارد فيها، وقد ذهب بعضهم إلى استحبابها والتأكيد على فضلها.[٩]


ودليل مشروعيّة هذه الصلاة ما جاء في الحديث عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنّه قال: (إنَّ النَّبيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قال للعبَّاسِ: يا عَمَّاه، ألا أُعطيك؟ ألا أحْبُوك؟ ألا أمنَحُك؟ عَشْر خِصالٍ إذا أنت فعَلْتَ ذلك غَفَر اللهُ لك ذَنْبَك؛ أوَّلَه وآخِرَه، قَديمَه وحديثَه، خَطَأَه وعَمْدَه، صَغيرَه وكَبيرَه، سِرَّه وعلانيتَه: تصَلِّي أربَعَ ركَعاتٍ تقرَأُ في كُلِّ ركعةٍ بفاتحةِ الكِتابِ وسورةٍ، فإذا فرَغْتَ مِن القِراءةِ قُلْ وأنت قائِمٌ: سُبحانَ اللهِ، والحَمدُ للهِ، ولا إلهَ إلَّا اللهُ، واللهُ أكبَرُ، خَمْسَ عَشرةَ مَرَّةً...).[١٠][٩]


ويكمل النبي -صلى الله عليه وسلم- فيقول: (... ثمَّ تركَعُ فتقولُها عَشرًا، ثمَّ ترفَعُ رأسَك فتقولُها عَشرًا، ثمَّ تسجُدُ فتقولُها عَشرًا، ثمَّ ترفَعُ رأسَك فتَقولُها عَشرًا، فذلك خمسٌ وسبعونَ في كُلِّ ركعةٍ، تَفعَلُ ذلك في أربَعِ ركَعاتٍ، فإن استطَعْتَ أن تصَلِّيَها في كلِّ يومٍ مَرَّةً فافعَلْ، فإنْ لم تفعَلْ فصَلِّها في كلِّ جمعةٍ، فإنْ لم تفعَلْ، ففي كُلِّ شَهرٍ، فإنْ لم تفعَلْ، ففي كُلِّ سَنةٍ، فإن لم تفعَلْ، ففي عُمُرِك مَرَّةً).[١٠][٩]

المراجع

  1. ^ أ ب عدنان العرعور، ثلاث صلوات عظيمة مهجورة فأحيها يا عبد الله، صفحة 81-82. بتصرّف.
  2. سورة الرعد، آية:28
  3. سورة الأحزاب، آية:35
  4. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي الدرداء، الصفحة أو الرقم:3377، صححه الألباني.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن سعد بن أبي وقاص، الصفحة أو الرقم:2698، صحيح.
  6. عدنان العرعور، ثلاث صلوات عظيمة مهجورة فأحيها يا عبد الله، صفحة 76. بتصرّف.
  7. عبد الرحيم الطحان، خطب ودروس الشيخ عبد الرحيم الطحان، صفحة 27-28، جزء 81. بتصرّف.
  8. مرتضى الزبيدي، تخريج أحاديث إحياء علوم الدين، صفحة 559، جزء 1. بتصرّف.
  9. ^ أ ب ت مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 150، جزء 27. بتصرّف.
  10. ^ أ ب رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:1297، حسنه ابن حجر.