حكم صلاة الجماعة للرجال

تعدّدت آراء الفقهاء في حكم صلاة الجماعة للرجال على قولين، وبيانهما فيما يأتي:


القول الأول: سنّة مؤكّدة

ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية إلى القول بأنّ صلاة الجماعة سنَّةٌ مؤكَّدةٌ في حقّ الرجل، مع اتّفاقهم على أهمّيتها وفضلها العظيم الذي يفضل صلاة الفرد والتحذير من التّهاون فيها، ويدلّ على عدم وجوبها ما يأتي:[١]

  • قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (صَلَاةُ الرَّجُلِ في الجَمَاعَةِ تَزِيدُ علَى صَلَاتِهِ وَحْدَهُ سَبْعًا وَعِشْرِينَ)،[٢] وفي رواية: (صلاةُ الجماعةِ تفضلُ على صلاةِ الفذِّ بسبعٍ وعشرينَ درجةً)،[٣] وهذه الأحاديث تقتضي صحّة صلاة الفرد ووجود الفضيلة فيها، وإنْ كانت أقل بكثيرٍ من فضل صلاة الجماعة.


  • لو كانت صلاة الجماعة واجبة لبيّن النبي الكريم أنّ صلاة المنفرد وحده لا تُجزئ، ولكنّه فضّل صلاة الجماعة على صلاة المنفرد.


  • وجود العديد من المواقف التي تُثبت فوات صلاة الجماعة على العديد من الرجال، وأنهم كانوا يُصلّونها بِعلمِهِ منفردين مع قدرتهم على صلاتها بالجماعة.


القول الثاني: واجبة وجوباً عينيَّاً

ذهب الحنابلة إلى وجوب صلاة الجماعة على الرجال وجوباً عينيَّاً، واستدلّوا على ذلك بعدّة نصوصٍ شرعية من القرآن والسنة، ومنها:

  • قول الله -تعالى-: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ)،[٤] ووجه الاستدلال هو أنّ الله -سبحانه- أمر بأدائها حتى في حال الخوف، ومن باب أولى أن تكون واجبةً في حال الأمن.


  • قول الله -تعالى-: (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ)،[٥] وهذا الجمع في الآية لا يحصل إلّا في صلاة الجماعة، فدلّ الأمر على الوجوب.


  • قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ علَى المُنَافِقِينَ صَلَاةُ العِشَاءِ، وَصَلَاةُ الفَجْرِ، ولو يَعْلَمُونَ ما فِيهِما لأَتَوْهُما ولو حَبْوًا، وَلقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بالصَّلَاةِ، فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فيُصَلِّيَ بالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي برِجَالٍ معهُمْ حُزَمٌ مِن حَطَبٍ إلى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقَ عليهم بُيُوتَهُمْ بالنَّارِ).[٦]


حكم صلاة الجماعة للنساء

تعدّدت آراء الفقهاء في حكم صلاة الجماعة في حقّ النساء، وأشهرها الاستحباب، ونذكر أقوالهم بشيءٍ من التفصيل فيما يأتي:[٧]

  • الشافعية والحنابلة

قالوا إنّ الجماعة سُنَّةٌ في حقّ النساء إذا كُنّ منفرداتٍ عن الرجال، سواءً كان الإمام رجلاً أم امرأة، فقد كانت النساء والصحابيات يشهدن صلاة الجماعة مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأمر النبيّ الكريم أمّ ورقة أن تُصلّي جماعة بأهل بيتها من النساء.


وقد ثبت عن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كُنَّ نِسَاءُ المُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مع رَسولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- صَلَاةَ الفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتٍ بمُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إلى بُيُوتِهِنَّ حِينَ يَقْضِينَ الصَّلَاةَ، لا يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الغَلَسِ).[٨]


  • الحنفية

قالوا إنّ الجماعة مكروهةٌ في حقّ النساء، لأنّ خروجهنّ إليها مظنّة حصول الفتنة.


  • المالكية

قالوا بجواز صلاة الجماعة للنساء خلف الرجال إذا أمنت الفتنة، أمّا صلاة النساء جماعةً مع بعضهنّ فغير مشروعة؛ لأنّه يُشترط عندهم في الإمامة الذّكورة؛ أي أن يكون الإمام رجلاً لا امرأة.


الحكمة من مشروعية صلاة الجماعة

شرع الله -سبحانه- صلاة الجماعة للعديد من الحِكم العظيمة، ولعلّ من أبرزها ما يأتي:[٩]

  • اجتماع المسلمين في اليوم خمس مرات، وينبثق عن هذا المظهر العديد من القيم العظيمة، فهذا الاجتماع يُشعر بالوحدة، والقوّة، والأخوّة، والتعاون، والتكافل، وغيرها من القيم السّامية.


  • التآلف والتعارف بين الناس، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).[١٠]


  • القيام بالدعوة إلى الله -تعالى-، وتعليم الناس أحكام دينهم.


المراجع

  1. محمد ضياء الرحمن الأعظمي، صلاة الجماعة، صفحة 36-40، جزء 60. بتصرّف.
  2. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:650، صحيح.
  3. رواه النسائي، في سنن النسائي، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:836، صححه الألباني.
  4. سورة النساء، آية:102
  5. سورة البقرة، آية:43
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:651، صحيح.
  7. عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 371، جزء 1. بتصرّف.
  8. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:578، صحيح.
  9. عبد الكريم العميريني، أحكام الصف في الصلاة، صفحة 33. بتصرّف.
  10. سورة الحجرات، آية:13