أوقات صلاة الحاجة

اتفق الفقهاء على أنّ صلاة الحاجة مستحبة؛ يُؤديها المسلم إذا حزبه من أمره شيء، وأراد من المولى -سبحانه- تفريج همّه، وقضاء حوائجه، واستجابة دعواته، ولقد تعدّدت أقوال الفقهاء في وقت أدائها؛ لتعدّد الروايات الواردة فيها، والتي استند إليها أهل العلم في مشروعيتها وصفتها؛ ويمكن بيان ذلك على نحوٍ مفصلٍ بالآتي:[١]


  • لا وقت محدد لصلاة الحاجة

ذهب جمهور الفقهاء من المالكية والحنابلة، والمشهور عند الشافعية؛ وقول عند الحنفيّة؛ بأنّ صلاة الحاجة ركعتان؛ تُصلّى متى ما طرأت الحاجة للمسلم؛ واستدلوا على ذلك بعدد من الأحاديث النبويّة.


ومن هذه الأدلة ما رُويَ أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعلي -رضي الله عنه-: (يا عليُّ! ألا أُعَلِّمُك دعاءً إذا أصابَك غمٌّ أو همٌّ تدعو بهِ ربَّك، فيُستجابُ لكَ بإذنِ اللهِ ويُفرَّجُ عنكَ؟ توضَّأْ وصلِّ ركعتينِ، واحمدِ اللهَ وأثنِ عليهِ، وصَلِّ علَى نَبِيِّك، واسْتغفِرْ لِنفسك وللمؤمنينَ والمؤمناتِ...).[٢]


وهذا ما ذهب إليه بعض المتأخرين؛ إذ لا دليل في الشرع يُثبت وقت هذه الصلاة؛ فتكون كصلاة النوافل،[٣] ولكنّ بعض أهل العلم نبّهوا إلى أنّ صلاة الحاجة لا تُؤدى وقت الكراهة؛ لأنّ سببها متأخر؛ أيّ أنّ الشارع لم يخصّها بسبب أو كيفيّة، حتى يجوز أداؤها في أوقات النهي والكراهة،[٤] وبهذا قال الإمام النووي.[٥]


  • بعد صلاة العشاء

ذهب الحنفيّة في إحدى الروايات المنقولة عنهم؛ بأنّ صلاة الحاجة أربع ركعات؛ تُصلّى بعد صلاة العشاء؛ يُقرأ في الركعة الأولى بالفاتحة مرة، وبآية الكرسي ثلاث مرات؛ أمّ في الركعات الثلاث الباقية، فتقرأ الفاتحة فيهنّ، وسورة الإخلاص، والمعوذتين مرةً مرة.


صيغ الدعاء في صلاة الحاجة

بحث أهل العلم -القائلين بمشروعية صلاة الحاجة- في الرّوايات التي وردت تحديداً في صفة صلاة الحاجة؛ فوجدوا أنّ هنالك عدداً من صيغ الدعاء التي تُقال فيها؛ وإن كانت أدلتها ضعيفة، أو في أسانيدها مقالاً؛ إلّا أنّه يمكن الاستعانة بها عند أداء صلاة الحاجة، كما يمكن للمسلم أن يدعو بما شاء من الأدعية المأثورة الثابتة التي تقال عند الهم والحزن، أو أن يدعو بما شاء أيضاً من الأدعية غير المأثورة التي تنفعه في صلاح أمره وزوال كربه.


وتالياً ذكر بعض الأدعية الواردة في صلاة الحاجة:


  • (... اللَّهمَّ أنت تَحكمُ بين عِبادِك فيما كانوا فيهِ يختلِفونَ، لا إلهَ إلَّا اللهُ العليُّ العظيمُ، ولا إلهَ إلَّا اللهُ الحليمُ الكريمُ سبحانَ اللهِ رَبِّ السَّمواتِ السَّبعِ ورَبِّ العرشِ العظيمِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، اللَّهمَّ كاشِفَ الغمِّ، مُفرِّجَ الهمِّ، مُجيبَ دعوةِ المضطرِّينَ إذا دعَوكَ، رَحمنَ الدُّنيا والآخرةِ ورحيمَهُما فارْحَمني في حاجَتي هذهِ بِقضائِها ونَجاحِها، رَحمةً تُغْنِينِي بِها عَن رحمةِ مَن سِواك).[٢][٦]


  • "سُبْحَانَ الَّذِي لَبِسَ الْعِزَّ وَقَال بِهِ، سُبْحَانَ الَّذِي تَعَطَّفَ بِالْمَجْدِ وَتَكَرَّمَ بِهِ، سُبْحَانَ الَّذِي أَحْصَى كُل شَيْءٍ بِعِلْمِهِ، سُبْحَانَ الَّذِي لاَ يَنْبَغِي التَّسْبِيحُ إِلاَّ لَهُ، سُبْحَانَ ذِي الْمَنِّ وَالْفَضْل، سُبْحَانَ ذِي الْعِزِّ وَالْكَرَمِ، سُبْحَانَ ذِي الطَّوْل، أَسْأَلُكَ بِمَعَاقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِكَ، وَمُنْتَهَى الرَّحْمَةِ مِنْ كِتَابِكَ وَبِاسْمِكَ الأَْعْظَمِ وَجَدِّكَ الأَْعْلَى، وَكَلِمَاتِكَ التَّامَّاتِ الْعَامَّاتِ الَّتِي لاَ يُجَاوِزُهُنَّ بَرٌّ وَلاَ فَاجِرٌ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آل مُحَمَّدٍ: ثُمَّ يَسْأَل حَاجَتَهُ..."؛ ويسبق هذا الدعاء صلاة اثنتي عشرة ركعة، يُقرأ في كل ركعة بالفاتحة وآية الكرسي وسورة الإخلاص؛ وفي السجود يدعو المسلم بهذا الدعاء.[٧]


الاعتراض على مشروعية صلاة الحاجة

اعترض بعض أهل العلم من المتأخرين على القول بمشروعيّة صلاة الحاجة، وتسميّتها بهذا الاسم؛ وإن كانوا يُثبتون مشروعيّة الصلاة في وقت الشدائد؛ استدلالاً بقوله -تعالى-: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ)،[٨]وبما جاء من حديث حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- أنّه قال: (كانَ النَّبيُّ -صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ- إذا حزبَهُ أمرٌ صلَّى).[٩][١٠]


والشّواهد التي تُثبت قيام النبي -صلى الله عليه وسلم- بالصلاة والدعاء لقضاء الحاجة كثيرة،[١١]غير أنّ سبب اعتراضهم على ذلك يعود إلى أنّ الأسانيد والأحاديث الواردة في مشروعيّة هذه الصلاة، ضعيفة؛ ومنها ما هو ضعيف جداً.[١٢]


ومنها ما لا يثبت أصلاً؛ وأنّهم يرون عدم جواز رواية الأحاديث الضعيفة، فضلاً عن العمل بها؛[١٢] ولقد تكلّم الفقهاء في جواز العمل بالحديث الضعيف؛ ووضّحوا الشروط الواجب توفرها للأخذ به في فضائل الأعمال، ويمكن الرجوع إلى كتاب "منهج النقد في علوم الحديث"؛ للاطلاع على ذلك على نحوٍ من التفصيل.[١٣]

المراجع

  1. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 211-213، جزء 27. بتصرّف.
  2. ^ أ ب رواه المنذري، في الترغيب والترهيب، عن أنس بن مالك، الصفحة أو الرقم:417، ضعفه الألباني وقد أورده المنذي في الترغيب والترهيب وعزاه للأصبهاني.
  3. مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلامية، صفحة 9388، جزء 11. بتصرّف.
  4. مجموعة من المؤلفين، فتاوى الشبكة الإسلاميّة، صفحة 9383، جزء 11. بتصرّف.
  5. النووي، روضة الطالبين وعمدة المفتين، صفحة 192-193، جزء 1. بتصرّف.
  6. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 212-213، جزء 27. بتصرّف.
  7. أبو حامد الغزالي، إحياء علوم الدين، صفحة 206-207، جزء 1. بتصرّف.
  8. سورة البقرة، آية:45
  9. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن حذيفة بن اليمان، الصفحة أو الرقم:1319، حسنه الألباني.
  10. ابن عثيمين، فتاوى نور على الدرب، صفحة 2، جزء 8. بتصرّف.
  11. حسن أبو الأشبال الزهيري، شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي، صفحة 19، جزء 64. بتصرّف.
  12. ^ أ ب مجموعة من المؤلفين، مجلة البحوث الإسلامية، صفحة 91-93، جزء 84. بتصرّف.
  13. نور الدين عتر، منهج النقد في علوم الحديث، صفحة 291-297.