شروط صلاة الاستسقاء

يُعرف الشرط في الفقه الإسلاميّ ما يتوقف عليه وجود الشيء، ويكون خارجاً عنه، مثال ذلك: الوضوء؛ الذي هو شرط يتوقف عليه تحقق صحّة الصلاة، ولكنّه في ذات الوقت خارج عنها، وقد وضع العلماء عدّة شروط لتحقيق صحّة الصلاة على وجه العموم؛ فيشترك بذلك الصلوات المفروضة، وصلوات النوافل؛[١] التي تندرج تحتها صلاة الاستسقاء.


إذ لم يُورد الفقهاء شروطاً خاصّة لصلاة الاستسقاء على وجه التحديد، فهي تشترك مع غيرها في الشروط، إلا أنّها تمتاز عن غيرها ببعض الأمور التي يمكن الإشارة إليها بالنقاط الآتية:

  • تحويل الرداء؛ أي قلب الرداء بعكس ما يلبسه المسلم، وهو سنّة للإمام والمأموم على قول أكثر أهل العلم؛ ويكون ذلك إظهاراً للافتقار والتذلل لله -تعالى-، وللتفاؤل بقلب الحال وتغييره، وقد ثبت ذلك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ففي الحديث: (خَرَجَ النبيُّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- يَسْتَسْقِي، فَتَوَجَّهَ إلى القِبْلَةِ يَدْعُو وحَوَّلَ رِدَاءَهُ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَهَرَ فِيهِما بالقِرَاءَةِ).[٢][٣]
  • أن يكون الاستسقاء عند انقطاع المطر، وجدب الأرض، وامتناع الزرع من الخروج؛ فلو نزل المطر وبقي القحط والجدب بقي الاستسقاء مشروعاً؛ لأنّ الأصل طلوع العشب وإغاثة الناس والدواب به.[٤]


كما يمكن بيان شروط صحّة الصلاة على النحو الآتي:


الطهارة

يجب على المصلي أن يحقق الطهارة قبل البدء بالصلاة، سواء أكانت طهارة حقيقية؛ بطهارة الثوب والبدن من النجاسات، أو طهارة حكميّة؛ بطهارة جميع أعضاء الوضوء عن الحدث، أو عن الجنابة؛ وذلك لعموم الأدلة التي تحدّثت عن الطهارة، واشتراطها لصحّة الصلاة؛ منها قوله -صلى الله عليه وسلم-: (... لا تُقْبَلُ صَلاةٌ بغيرِ طُهُورٍ...)،[٥] وقوله أيضاً -صلوات الله عليه-: (مِفتاحُ الصَّلاةِ الطُّهورُ...).[٦][٧]


ستر العورة

يجب على الرجل أن يستر ما بين السرة والركبة أثناء الصلاة، وتستر المرأة جميع بدنها باستثناء وجهها وكفّيها، ويجوز الصلاة بأيّ ثوب جميل نظيف لم يرد فيه تحريم؛ كثوب الحرير أو الثوب المسروق ونحو ذلك.[٨]


ويُستدلّ على ستر العورة بدلالة أمر الله -تعالى- المصلين بأخذ زينتهم عند أداء الصلاة؛ قال -تعالى-: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ...)،[٩] فقد فسّرها عبد الله بن عباس -رضي الله عنه- بالثياب في الصلاة، كما يستدلّ على ما سبق بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (لا يقبَلُ اللهُ صلاةَ حائضٍ إلَّا بخِمارٍ).[١٠][١١]


استقبال القبلة

أجمع العلماء على وجوب استقبال القبلة عند أداء الصلوات؛ بما ثبت من نصوص الوحيّ الإلهي؛ فمن القرآن الكريم يُستدلّ بقوله -تعالى-: (وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ...).[١٢][١٣]


أمّا من السنة فيُستدلّ بقوله -صلى الله عليه وسلم-: (... إذَا قُمْتَ إلى الصَّلَاةِ، فأسْبِغِ الوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ القِبْلَةَ...).[١٤] ويكون استقبال القبلة للقادر عليه، أمّا المريض، أو المسافر، أو الخائف، وغيرهم من أهل الأعذار؛ فيجوز لهم ضمن ضوابط محددة أن لا يستقبلوا القبلة.[١٣]


دخول الوقت

يُشترط لصحّة الصلاة دخول وقتها الذي قدّره الشرع لها؛ فلا يصحّ أداؤها قبل وقتها دون حاجة أو رخصة معتبر أقرّها الشرع، بدلالة قوله -تعالى-: (... إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا).[١٥][١٦]


وما ثبت في الصحيح من إمامة جبريل -عليه السلام- بالنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ حيث قال -عليه السلام-: (أمَّني جبريلُ عندَ البيتِ مرَّتينِ؛ فصلَّى بيَ الظُّهرَ حينَ زالتِ الشَّمسُ وَكانت قدرَ الشِّراكِ، وصلَّى بيَ العصرَ حينَ كانَ ظلُّهُ مثلَهُ، وصلَّى بيَ يعني المغربَ حينَ أفطرَ الصَّائمُ...).[١٧][١٦]


وقد تكلّم الفقهاء في وقت صلاة الاستسقاء؛ فقالوا:[١٨]

  • تُصّلى عندما يظهر حاجب الشمس؛ أيّ عند ظهور ضوء الشمس بحيث يحجبها من الرؤية لقوة ضوءها.
  • يُستحبّ أداؤها في وقت صلاة العيدين، أيّ عندما ترتفع الشمس قيد رمح.
  • يمكن صلاتها وقت الضحى، وخارج وقت النهي.
  • تُصلى بالليل والنهار، لكن خارج أوقات الكراهة، ويُستحبّ للإمام إخبار الناس ووعدهم بالخروج لأداء هذه الصلاة.


صفة صلاة الاستسقاء

صلاة الاستسقاء عبارة عن ركعتين، يُصليهما الإمام بجموع المسلمين بلا أذان أو إقامة، يكبّر في الأولى سبع تكبيرات غير تكبيرة الإحرام، ثم يقرأ الفاتحة وسورة أخرى جهراً، ثم يركع ويتمّ الركعة الأولى كباقي الصلوات، وبعدما يستوي للركعة يُكبّر الإمام خمس تكبيرات غير تكبيرة الإحرام، ثم يُتمّ صلاته كما في الركعة الأولى، فإذا صلّى ركعتين سلّم بعدها.[١٩]


ويُستحبّ للإمام أن يحثّ الناس على التوبة وإخراج الصدقة، وإظهار الافتقار لله -تعالى-، والإكثار من الدعاء، والخروج بثياب متواضعة على رأي الجمهور، كما يُستحبّ خروج الصبيان والنساء والشيوخ والدّواب؛ فيكون ذلك أقرب لطلب الرحمة والغوث من الله -تعالى-.[٢٠]

المراجع

  1. سعيد حوى، الأساس في السنة وفقهها العبادات في الإسلام، صفحة 251، جزء 1. بتصرّف.
  2. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن زيد، الصفحة أو الرقم:1024، صحيح.
  3. سعيد بن وهف القحطاني، صلاة الاستسقاء، صفحة 50-53. بتصرّف.
  4. أحمد الخليل، شرح زاد المستقنع، صفحة 257، جزء 2. بتصرّف.
  5. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:224، صحيح.
  6. رواه الترمذي، في سنن الترمذي، عن أبي سعيد الخدري، الصفحة أو الرقم:238، قال الترمذي أصح شيء في هذا الباب وأحسن.
  7. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 59، جزء 27. بتصرّف.
  8. محمد بن إبراهيم التويجري، مختصر الفقه الإسلامي في ضوء القرآن والسنة، صفحة 463. بتصرّف.
  9. سورة الأعراف، آية:31
  10. رواه ابن حبان، في صحيح ابن حبان، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1711، أخرجه في صحيحه.
  11. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 60، جزء 27. بتصرّف.
  12. سورة البقرة، آية:150
  13. ^ أ ب خالد بن إبراهيم الصقعبي، مذكرة القول الراجح مع الدليل/ الصلاة، صفحة 35-36، جزء 1. بتصرّف.
  14. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم:6667، صحيح.
  15. سورة النساء، آية:103
  16. ^ أ ب عبد الله الطيار، الفقه الميسر، صفحة 239، جزء 1. بتصرّف.
  17. رواه أبو داود، في سنن أبي داود، عن عبد الله بن عباس، الصفحة أو الرقم:393، صححه الألباني.
  18. محمد بن محمد المختار الشنقيطي، شرح زاد المستقنع، صفحة 6، جزء 76. بتصرّف.
  19. مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية، صفحة 191، جزء 1. بتصرّف.
  20. عبد الرحمن الجزيري، الفقه على المذاهب الأربعة، صفحة 329، جزء 1. بتصرّف.