حكم السنن الرواتب في السفر

ذهب جمهور الفقهاء إلى كراهة ترك سنن الرواتب بدون عذر، ولكن إن كان بعذر فلا بأس بتركها؛[١] ولكن تعددت آراؤهم في حكم أدائها بحقّ المسافر، ويمكن بيان ذلك على النحو الآتي:


استحباب أداء سنن الرواتب في السفر

استحبّ فقهاء الحنفيّة والشافعيّة أداء سنن النوافل للمسافر؛ لأنّ هذه السنن متممة ومكمّلة للفرائض، ولأنّ النبي -صلى الله علي وسلم- كان يتعاهدها في جميع أحواله، من الحضر والسفر، كما كان -صلوات الله عليه- يُؤدي بعضها وهو راكب على دابته، كما في أدائه لصلاة الضحى، وسنة الفجر، إضافةً إلى عموم الأدلة الواردة في الحثّ على أداء سنن الرواتب، ولكن الأمر يُترك لهمّة المسافر وإرادته.[١]


جواز ترك سنن الرواتب في السفر

ذهب الحنابلة إلى القول بكراهة ترك سنن الرواتب عموماً إلا بالسفر؛ فللمسافر التخيّر بين فعلها وتركها، إلا سنة الفجر وصلاة الوتر؛ فإنّهما لا تتركان لا بالسفر ولا بالحضر؛ لتأكيد الأدلة الواردة فيهما؛[١] فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يلازم ركعتي الصبح والوتر في جميع أحواله.[٢]


وتجدر الإشارة إلى أنّ الرخصة الإلهيّة للمسافر اقتضت التخفيف عنه في قصر صلاة الفريضة الرباعيّة؛ فلا يُتمّها المسافر أربع ركعات كما في الحضر، لذا جاز له ترك النافلة في السفر قياساً على رخصة القصر، لما يحمله السفر من مشقة وتعب، وإن كان الأفضل للإنسان أن يتعاهد هذه النوافل في حضره وصحّته، حتى يُكتب له أجر قيامها كاملة في سفره ومرضه.[٢]


سنن الرواتب

تعرف السنن الراتبة بأنّها السنن الدائمة والمستمرة التي تتبع الفرائض، وتجبر الخلل الذي فيها؛ وقد تعددت أقوال الفقهاء في عدد هذه السنن؛ فمنهم من قال:[٣]


  • عددها عشر ركعات

اختار بعض الفقهاء القول بأنّ عدد السنن الراتبة عشر ركعات؛ وهي: ركعتان قبل صلاة الظهر، وركعتان بعده، وركعتان بعد صلاة المغرب، وركعتان بعد صلاة العشاء، وركعتان قبل صلاة الفجر؛ لحديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّه قال: (حَفِظْتُ مِنَ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- عَشْرَ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، ورَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، ورَكْعَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ في بَيْتِهِ، ورَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العِشَاءِ في بَيْتِهِ، ورَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ...).[٤]


  • عددها اثنتا عشرة ركعة

رجّح جمع من أهل العلم أنّ عدد السنن الراتبة اثنتا عشرة ركعة؛ وهي: أربع قبل صلاة الظهر، وركعتان بعده، وركعتان بعد صلاة المغرب، وركعتان بعد صلاة العشاء، وركعتان قبل صلاة الفجر؛ وذلك لما ثبت في السنة النبويّة من الأحاديث والآثار، منها حديث أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، حيث قالت: (إنَّ النبيَّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- كانَ لا يَدَعُ أرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، ورَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الغَدَاةِ).[٥]


كما ثبت عن أم المؤمنين أم حبيبة -رضي الله عنها-، أنّها سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (ما مِن عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَومٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا، غيرَ فَرِيضَةٍ، إلَّا بَنَى اللَّهُ له بَيْتًا في الجَنَّةِ، أَوْ إلَّا بُنِيَ له بَيْتٌ في الجَنَّةِ...).[٦]


  • الجمع بين القولين

ذهب بعض أهل العلم إلى الجمع بين القولين السابقين؛ فقالوا إنّ سنن الرواتب تُحمل على عشر، وعلى اثنتي عشرة ركعة؛ فتارة يُصلي المسلم سنة الراتبة قبل الظهر أربع، وتارة يُصليها ركعتين، كما يُحتمل أن تكون أداء الأربع في البيت، بينما الركعتان في المسجد، وكذلك يُحتمل أن تُصلى ركعتان في البيت وركعتين أخرتين في المسجد.

المراجع

  1. ^ أ ب ت مجموعة من المؤلفين، الموسوعة الفقهية الكويتية، صفحة 283-284، جزء 25. بتصرّف.
  2. ^ أ ب عبد الكريم الخضير، شرح المحرر في الحديث، صفحة 28، جزء 27. بتصرّف.
  3. عبد الله الطيار، الصلاة وصف مفصل للصلاة بمقدماتها مقرونة بالدليل من الكتاب والسنة، صفحة 326-327. بتصرّف.
  4. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عبد الله بن عمر، الصفحة أو الرقم:1180، صحيح.
  5. رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن عائشة أم المؤمنين، الصفحة أو الرقم:1182، صحيح.
  6. رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن أم المؤمنين أم حبيبة، الصفحة أو الرقم:728، صحيح.